مقولة أن المسيحيين هم اصل مصر

نفى الدكتور مفيد شهاب، وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية، أن يكون جمعه لقاء منفرد مع الأنبا بسنتى أسقف حلوان والمعصرة, ووعده خلاله بتمثيل المسيحيين بنسبة من 15 إلى 20% في مجلس الشعب مؤكدا أن الحديث فى القضايا الدينية من الأمور بالغة الحساسية، ومصر لا تحتمل الآن مناقشة مثل هذه القضايا.



وقال شهاب، خلال مؤتمر صحفى عقده فى مكتبه بمناسبة بدء الدورة البرلمانية،ردا علي مااوردته صحيفة" المصري اليوم " علي لسان الاسقف إنه أكد للأنبا بسنتى فى أكثر من مناسبة عامة جمعتهما رفضه تخصيص «كوتة» للأقباط المسيحيين, لأن هذا يتنافى مع مبدأ المواطنة، ونصوص الدستور, مؤكداً قدرة الأقباط المسيحيين على خوض الانتخابات والنجاح فيها دون كوتة.



أضاف: ليس من المعقول أن أعد الأنبا بسنتى بإجراء الانتخابات المقبلة بنظام القوائم النسبية بعد أن حسم الرئيس مبارك الأمر، وقال إن الانتخابات ستتم بالنظام الفردى، لأن نظام القوائم لا يلائم طبيعة الشعب المصرى.



كان الأنبا بسنتى قد ذكر فى حواره لـ «المصرى اليوم»، بتاريخ 11/11/2009 عن وعد الدكتور شهاب له فى لقاء منفرد بتخصيص نحو 20% من مقاعد مجلس الشعب للأقباط المسيحيين فى انتخابات تتم بنظام القائمة النسبية.





وتناول بسنتى فى حواره بالجريدة العديد من القضايا الشائكة ولكن جانبه الصواب فى الكثير منها, مما يحتاج معه الأمر إلى رد على جميع ما ذكره, ولكننا نقصر الرد فى هذا المقال على قضية أصل المسيحيين التى يتشدق بها المسيحيون من أنهم فراعنة وأصل سكان مصر, والحقيقة خلاف ذلك تماما فما يقولونه ويرددونه ما هو إلا افتراء على مصر والمصريين, وتضليلا لهم, وإخفاء لحقائق التاريخ بل تكذيب لها, وهو ما لا يجب أن يصدر من رجل دين يدعو الناس للصدق في القول .





ويبدو أن تلك هى عادة بعض المسيحيين فى قلب الحقائق و ترديد مزاعم عن أمور لم تحدث, فلو لم ينف شهاب ما ذكره بسنتى لانقلبت الأكاذيب إلى حقائق, لدي البسطاء من الناس ولظن من أطلق تلك الأكاذيب أنه صادق, ولصدق كذبته, ولظهرت الحكومة أمام المواطنين كاذبة أو على الأقل بوجهين, فهى تصرح بشىء فى العلن, وتعد المسيحيين بشىء آخر فى الخفاء.





وحسنا فعل شهاب بتكذيبه لتصريحات بسنتى التى يبدو أنها كانت مجرد أوهام أو لنقل آمال أو أحلام لا تدور إلا فى خلده, وظن أنه لو أعلنها على الملأ لسبب حرجا للحكومة, وبالتالى يشكل ضغطا عليها, وتصبح تلك الأحلام أو الآمال أو الأكاذيب, حقيقة ويجب على الحكومة أن تلتزم بها, وإلا اتهموها باضطهاد المسيحيين!.





إنه الأسلوب الذي استقته الكنيسة والقائمين عليها من الكيان الصهيوني, فهم يخططون ويخرجون بتصريحات مختلقة وغير حقيقية عن لقاء مع فلان أو حديث مع علان تم خلاله كيت وكيت, فى محاولة لفرض أمر واقع, أو لجس النبض, أو لتشكيل ضغط على الجانب الأخر, ولا غرو فى ذلك فقد صرح شنودة فى بداية السبعينيات من القرن الماضي أنه يتخذ من الصهاينة نموذجا له فى تنفيذ خططه, وهو ما عرف بـ "بروتوكولات شنودة" لتمكين المسيحيين فى مصر من البلاد وطرد المسلمين الغزاة منها, مثلما طرد الأسبان المسلمين من الأندلس, ومثلما طرد الصهاينة المسلمين من فلسطين.




الاديان تحرم الكذب



لقد كنا نتمنى أن يربأ بسنتى عن نفسه بالتصريح الذي زعم فيه انه التقي شهاب بشكل منفرد وهو ما نفاه شهاب ويزعم أنه حصل منه علي وعود لم يعد بها , لأن الدين –أى دين- لا يسمح بالكذب أو يسامح الكذاب- وقد كفى شهاب عنا مؤنة الرد بالنسبة لمسألة الكوتة, فعلى الرغم من أن عدد المسيحيين فى مصر وباعتراف أمريكى لا تتعدى نسبتهم الـ 5 بالمائة من تعداد المصريين, فإنهم يمتلكون ثلث ثروة مصر ويحتكرون عددا كبيرا من المهن والتوكيلات التجارية وفق تصريحات منشورة بجريدة الاخبار لـ جمال اسعد عبد الملاك ، ورغم ذلك يريدون الحصول على أكثر من 20 بالمائة من كراسى مجالس الشعب والشورى والنقابات والمناصب العليا فى البلاد, خاصة الجيش وأجهزة الأمن و المخابرات.



وقد كان مصدر داخل الكنيسة قد صرح عقب صدور التقرير الأمريكى حول تعداد المسيحيين فى مصر بأن شنودة أبدى غضبه الشديد معلنا أن الأمريكان "يلعبون به" فرغم أنهم يعلنون مساندتهم له, فى كل ما يطالب به, واثقين من المعلومات التى يقدمها لهم, إذا بهم "يقلبون" الترابيزة عليه, ويخرجون هذا التقرير الذي كشف كذب ادعاءاتهم حول عددهم في مصر , مشيرا إلى أن شنودة قد يتخلى عن زياراته المتكررة لأمريكا, والتنسيق معهم, خاصة بعد أن رفضوا تقديم تفسير له حول خروج تقرير التعداد فى هذا الوقت.



على أية حال نعود إلى حديث بسنتى حيث سألته محررة "المصرى اليوم" عن الأنبا توماس؟



قال: من يراجع كلام الأنبا توماس يجده لم يخطىء، فهو قال إن أقباط مصر ليسوا من أصل عربى إنما من أصل فرعونى وهو كلام حقيقى لا غبار عليه لأنها الحقيقة والتاريخ، فنحن مصريون أقباط، أنا مسيحى قبطى بل وأنتِ مسلمة قبطية، نحن أقباط فراعنة تثقفنا بالعربية.



وفي سؤال له : وهل تتفق معه فى أن الأصل فى مصر هم المسيحيون؟



قال : هذه حقيقة، وسيادة الرئيس مبارك قالها من قبل.. كما أن محافظ بورسعيد قال فى إحدى الندوات إن من يبحث فى شجرة عائلتى ربما يجد الجد السابع لى مسيحياً.



وهكذا يحاول الأنبا أن يثبت أن المسيحيين المصريين فراعنة ويستخدم كلمة "بل" للتدليل على أن المسلمين "أيضا" فراعنة, وهو بهذا يتراجع عن ما كان يتردد فى السابق من أن المسيحيين أقباط ويقصرون هذا اللفظ على أنفسهم لإثبات أنهم أصل سكان مصر, والوريثون الوحيدون لحضارة الفراعنة وأن المسلمين مجرد غزاة من العرب. ويحاول التأكيد على أصول المسلمين المصريين بأنهم كانوا مسيحيين بالاستشهاد بما قاله محافظ بورسعيد, الذى لم يخطئ.





ونسي الاسقف أن التاريخ يقول أن أعداد كبيرة من سكان مصر الاصليين تحولت عن المسيحية بعد فتح مصر على يد عمرو بن العاص بعد أن لمسوا فى الإسلام السماحة وأنه الدين الحق, ولكن هذا لا يبرر ما تطالب به الكنيسة بتنصير المسلمين حتى تعود مصر مسيحية, كما كانت من قبل,علي حد زعمهم ، وهذا افتراء على التاريخ والحقائق التى تؤكد أن مصر لم تكن فى يوم من الأيام مسيحية الديانة.



فمصر قبل الإسلام كانت تدين بدين آمون وآتون , كانت هناك أيضا الديانة اليهودية, ولما جاء الإسلام دخل المصريون الدين الجديد أفواجا حتى لم يعد فيها سوى جاليات قليلة جدا ممن بقوا على اليهودية والمسيحية, أما عباد الأصنام, أو الآلهة غير الله الواحد, فقد آمنوا بالإسلام.



وهذا الذى يصرح به الأنبا بسنتى وغيره من المسيحيين, يجرنا إلى السؤال والبحث عن هوية الأقباط, ونبحث فى كتب التاريخ عن أصولهم, وأصل هذه اللفظة, وهل حقا أن المسيحيين فقط دون المسلمين واليهود والنوبيين والأعراب شرقا وغربا الذين يقتصر تسميتهم باسم الأقباط؟ ..



من المؤسف أن هذا التعريف قد اشتهر به المسيحيون المصريون دون غيرهم على خلاف الحقيقة والتاريخ !! والمؤسف أيضا أن المسيحيين صدقوه !!أما المسلمون فبعضهم لا يعرف الحقيقة وأنجرف مع التيار وردد معهم أنهم فقط هم الأقباط, رغم أن هذا الأمر يجر البلاد إلى هاويةعميقة, يعلمها المسيحيون جيدا ويعلمون أن رؤيتهم وغرضهم من قصر تعريف الأقباط أو القبط عليهم فقط دون غيرهم من المسلمين يؤدى الغرض الذى من أجله رفعوا هذا الشعار, شعار" نحن أقباطأ.. ولسنا عربا"!!



كلمة التاريخ



ولقد نقبنا فى التاريخ وكانت النتائج حاسمة ومذهلة .. فماذا قال التاريخ ؟



في اجابته على السؤال السابق- لماذا يحاول المسيحيون فى مصر قصر لفظة الأقباط على أنفسهم فقط ؟ - يجرنا هذا السؤال الى سؤال آخر وهو : - من هم أهل مصر الأصليون؟؟



المعروف تاريخيا أن مصر لم تكن عربية قبل الفتح الإسلامى بل كانت قبطية .. بدليل أن الرسائل الموجودة فى خزانات المتاحف ودور المحفوظات والمخطوطات الأثرية كانت تخاطب الحاكم المصرى بلقب" مقوقس الأقباط" , أى حاكم القبط أى المصريين, وهو نفس اللقب الذى خاطبه به النبى محمد صلى الله عليه وسلم , حينما بعث إليه برسالة تدعوه إلى الدخول فى الإسلام وكان رد المقوقس يحمل فى ثناياه التصديق بنبى منتظر مع حرص شديد على سلطانه بإبقاء الحال على ما هو عليه.



وهو نفس الحال الذى يعانى منه قساوسة مصر حتى اليوم فرغم علمهم علما يقينيا بصدق نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم فى سبيل عدم التنازل عن مناصبهم وهيبتهم ومكاسبهم يرفضون الإفصاح عما يقوله إنجيلهم والكتب السابقة عليه, أن الدين الإسلامى هو دين الحق, وإن كان بعضهم قد أسلم سرا وخوفا من البطش به من جانب الكنيسة يرفض الإعلان عن إسلامه.





على أية حال قال المقوقس فى كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :- أما بعد, فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وقد علمتُ أن نبياً قد بقى، وكنت أظن أنه يخرج بالشام, وقد أكرمت رسولك، وبعثت لك بجاريتين لهما مكان من القبط عظيم، وبكسوة، ومطية لتركبها, والسلام عليك.





فهو هنا يقر بأن هناك نبى تبقى ولكنه كان يظن حسب معتقدات بنى إسرائيل أنه سوف يظهر بينهم, وحينما ظهر من نسل سيدنا إسماعيل عليه السلام رفضوا التصديق به.



والمعروف أيضا أن كلمة قبط و مفرداتها لم تذكر في أي من الكتب الثلاثة على الإطلاق؛ وبذا ينتفي أي تعلُّق عقائدى أو دينى أو جنسى باسم غير اسم مصر, فهى ذكرت فى القرآن بهذا الاسم مثل قوله سبحانه وتعالى: - "اهْبِطُوا مِصْراً فَإنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ " البقرة : 61 , ومثلما جاء فى العهد القديم:- "فانحدر إبرام إلى مصر؛ ليتغرب فيها " سفر التكوين 12/10، " وأقام في بيت سيده المصري" التكوين ، 39/3 وأيضا جاء فى العهد الجديد مايلى:- "قم واهرب بالصبى وأمه إلى مصر" مَتَّى ، 2/13, "قد ظهر في حُلم ليوسف في مصر" متى ، 2/19





يقول ابن تغرى بردى فى كتابه" النجوم الزاهرة " :-" فأما مصر فقد سميت هكذا نسبة إلى مصرايم بن بيصر ابن حام بن نوح، وكان لمصرايم أربعة أولاد وهم: قبط وأشمون وأثريب ورحا، وأقباط مصر يضافون فى النسب إلى أبيهم قبط ", وبناء على ذلك فالتسمية لم تكن فى العصر الذى تلى رسالة المسيح عليه السلام, ولكنها كانت منذ عهود مصر القديمة .



كما ورد في المعجم الوجيز عن معنى كلمة قبط أنها كلمة يونانية الأصل بمعنى سكان مصر ويقصد بهم اليوم المسيحيون من المصريين, وورد فى القاموس المحيط فى معنى لفظة القبط : هم أهل مصر, وعلى ذلك فالقبطى هو المصرى سواء كان مسيحيا أو مسلما, والثابت بقولهم أنه كان هناك اقبالا على اعتناق الدين الاسلامى عقب الفتح العربى, من جانب القبط المسيحيين واليهود والوثنيين .



لم تعرف مصر باسم المملكة الفرعونية على سبيل المثال بل عرفت باسم مصر كما جاء فى القرآن والعهدين القديم والجديد, أما الشعب فلم يعرف تاريخيا بهذا الاسم, فلم يكن يقال مثلا الشعب الفرعونى, بل كان يطلق عليه مسمى, المصريون, وتم ترجمة الإسم الى اليونانية القديمة إلى ايجيبت أو ايجيبتوس – اى المصريين, أو سكان مصر – أما الرومان فلقد اطلقوا على المصريين اسم القبط, إذن فأهل مصر هم الأقباط أو القبط سواء المسيحى أو اليهودى أو الوثنى, فكلهم مصريون, أقباط.



إن لفظة قبط أو أقباط كلمة أصلها يعود الى اللغة اليونانية وهو Alguptos ، أو "أي ـ جيبتوس " بمعنى سكان مصر , أو دار الفراعنة ولأسباب غير معلومة تنازل المسيحيون عن الاسم الذي ورد في القرآن الكريم والعهد القديم والجديد، وهو مصر، وتمسكوا بالمسمى اليونانى؟! لماذا ؟؟ لا ندرى؟



إذن فلفظة الأقباط ليست مسمى قاصرا على المسيحيين المصريين.. وإلا لكان مسيحيى العالم كله من أمريكا الى اليابان من الأقباط!! .. وهذا بالطبع ليس صحيحا.. إذن لماذا يطلق المسيحيون على أنفسهم لفظ الأقباط ؟.. ولماذا يحتكر المسيحيون فى مصر لفظة الأقباط, على الرغم أن أهل مصر كلهم أقباط, سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود؟.. ولماذا ظهر هذا المصطلح أو هذا المسمى حديثا؟



المسيحيون ليسوا ورثة الفراعنة



إذن المسيحيون ليسوا أصحاب هذه البلاد وليسوا ورثة الفراعنة, بل هى كذبة من أكاذيبهم التى صدقوها وعاشوا عليها ويتاجرون بها, فهم فى الحقيقة إما سلالة من الرومان أو إسرائيليين أو فرس أو بطالمة يونانيون , ولقد ثبت من الحفريات الأثرية, والفحوصات التشريحية أن جماجم الكثير من مسيحيى مصر , تشبه إلى حد كبير جماجم الإسرائيلين التى وجدت فى بلاد الشام والأراضى المقدسة فى فلسطين , وفى رسومهم التى رسموها للمسيح وأمه عليهما السلام نجد تشابها كبيرا بينهما وبين مسيحييى مصر , فالراجح أنهم إسرائيليون ورومان وليسوا أقباطا - أى ليسوا مصريين .



إن الصفات الوراثية لمسيحييى مصر أقرب ما تكون إلى الإسرائيليين والرومان , وقد يرجع ذلك لكون الإسرائيليين ابناء يعقوب بن اسحاق عليهما السلام , والروم أبناء العيص بن اسحاق عليه السلام , فهم أقرب شبها إلى بعضهم منا , - والتاريخ يذكر أن المسيح عليه السلام بعث لليهود برسالة أخلاقية بعد أن تفشى بينهم الفساد , وحادوا عن طريق الحق , وحرفوا دين موسى عليه السلام , ولم يبعث بدين جديد , ولذلك حاربه اليهود وطاردوه , كعادتهم مع أنبياء الله سبحانه وتعالى , وتحالفوا مع الرومان لقتله.



ولكن الله سبحانه وتعالى رفعه إليه , وهربا من اليهود والرومان فر عدد من حوارى المسيح وتلاميذه إلى سيناء ومنها إلى دلتا مصر وصعيدها وهكذا دخلت الديانة المسيحية إلى مصر عام 48 م على يد مرقس كاتب أحد أول الأناجيل وبمجيئه إلى مصر بدأت المسيحية تنتشر فيها.



مات مرقس فى الإسكندرية سنة 68 م , واستطاع في هذه الفترة القصيرة أن يكسب قلوب الكثير من المصريين الذين اعتنقوا المسيحية ووضع أساس الكنيسة فى مصر , وكان من أهم العوامل التى ساعدت مرقس فى مهمته هو تدين المصريين , ورغبتهم فى التخلص من الآلهة الرومانية التى أتى بها الرومان معهم عند احتلالهم لمصر وفرضها على المصريين الذين كانوا يعبدون فى ذلك الوقت آتون وآمون , وحتى قبيل الفتح العربى كانت المسألة الدينية هى مشكلة المشاكل فى مصر.



كانت مصر فى طليعة البلاد التى تسربت إليها المسيحية في القرن الأول الميلادى، وأخذت في الانتشار تدريجيا في جميع أنحاء مصر منذ القرن الثاني الميلادي , إلا أن الأباطرة الرومان الوثنيين ناصبوا المسيحية العداء ، وهكذا ظلت تلقى اضطهادا كبيرا في مصر , إلى أن ولي العرش الرومانى الأمبراطور دقلديانوس 482-503م فبلغ اضطهاد المسيحيين في عهده أقصاه .



وقد قابل المصريون ذلك الاضطهاد بالهرب إلى الجبال خوفا من الحرق والقتل ومن ثم بدأت ظاهرة الأديرة المسيحية والرهبنة فى مصر , كما بدأت الكنيسة المصرية تقويمها الذى سمته تقويم الشهداء بالسنة الأولى من حكم دقلديانوس 842م نتيجة لما ترك هذا الاضطهاد من أثر عظيم في نفوس المسيحيين المصريين.



حينما اعترف الأباطرة الرومان بالمسيحية فى بداية القرن الرابع الميلادي لم تختف المشكلة الدينية بل زادت تعقيدا ، إذ تدخل الأباطرة فى المنازعات التى قامت بين المسيحيين حول طبيعة المسيح وصفته - هل هو إله أم إنسان أم رسول أم ابنا لله !! - وعقدوا من أجل ذلك المجامع الدينية، وبلغ ذلك النزاع الديني بين كنيستي الاسكندرية والقسطنطينية أو بيزنطة أقصاه منذ حوالى منتصف القرن الخامس الميلادى حينما اختلفت الكنيستان حول طبيعة المسيح.



وعقد الإمبراطور البيزنطي من أجل ذلك مجمعا دينيا في خلقدونية بآسيا الصغرى سنة 154م ، والذى أقر ما ذهبت إليه كنيسة القسطنطينية بأن للمسيح طبيعتين ، وقرر أن مذهب الكنيسة المصرية القائل بأن للمسيح طبيعة واحدة كفر وخروج على الدين الصحيح !! ، كما قرر حرمان بطريرك الاسكندرية من الكنيسة!! , ولم يقبل البطريرك السكندري ولا مسيحيو مصر ما أقره مجمع خلقدونية وأطلقوا على أنفسهم "الأرثوذكسيين" وهي كلمة يونانية معناها أتباع الديانة الصحيحة !!.



المسيحيون وافدون علي مصر





هكذا يتضح أن المسيحيين فى مصر ليسوا من أبناء مصر وليسوا أقباطا , بل مهاجرين من الشام , وأصلهم يهود من بنى إسرائيل, ولكنهم آمنوا بدعوة عيسى عليه السلام وتعاليمه, وكان عدد هؤلاء فى الغالب عشرات , بينما كان المصريون "الأقباط" حينئذ قد تخطوا المليون نسمة, وكان منهم اليهود ومنهم الوثنيين.



كما اعتنق المصريون بعد ذلك الإسلام , وأصبحوا مسلمين واعتنق المصريون النصرانية فى ذلك الوقت على يد هؤلاء النصارى القادمين من فلسطين , وتحول من تحول من اليهود والوثنيين الى النصرانية , وبقى من بقى على عقيدته , حتى ظهور الإسلام وبدء الفتوحات الإسلامية حيث أرسل الخليفة عمر بن الخطاب قائده عمرو بن العاص لفتح مصر، فسار بن العاص من فلسطين على رأس جيش قيل أنه كان مكونا من أربعة آلاف محارب في سنة 81 هـ 636م .



وعقب الفتح الاسلامى أسلمت الغالبية العظمى من القبط – يهود ونصارى ووثنيين - وأصبحت مصر دولة مسلمة منذ ذلك الوقت , ولكن ظل أعداد من المصريين على ولائهم للمسيحية لتنشأ تدريجيا أقلية دينية متمايزة تختلف دينيا عن بقية الشعب المصري ومذهبيا عن بقية مسيحيي العالم .






اندمج العرب بصورة أشد من جميع من سبقهم إلى مصر كالبطالمة , والرومان وغيرهم , بعد أن اتخذوا من مصر زوجات وأزواجا وأصهارا , وتحولت مصر بمرور الوقت إلى دولة عربية جنسا ودينا ولغة , حتى أن عمرو بن العاص بعث للخليفة عمر بن الخطاب يقول له: - " لقد استعجم على الجيش" أى إن الجيش أصبح معظمه من القبط "المصريين" الذين دخلوا فى الإسلام .





وهو ما يعنى أيضا أن معظم المصريين اعتنقوا الإسلام عن رضا واقتناع وهو مايحدث حتي اليوم , وهو ما ينفى أيضا شبهة وفرية أن المسلمين غزاة يجب طردهم من قبل النصارى المصريين , لقد كان المصريون أو الأقباط أكثر عددا من القبائل العربية التي أتت مع الفتح الإسلامي وبعده فالمسلمون في مصر غالبيتهم العظمى من أصول مصرية "قبطية" وليسوا وافدين , كما يدعو المسيحيون حاليا.



المصريين ليسوا أقباطا فقط , بل هم كالمسلمين المصريين خليط من أجناس بشرية شتى , ويتضح كذلك أن القبط اسم جنس وليس اسم دين , وإلا فإن جميع نصارى العالم يصبحوا أقباطا ..!!



على أى حال فإننا كلنا وافدون إلى مصر , منا من كان سابقا , ومنا من أتى لاحقا ولكن اذا كان المجتمع المصرى المسلم استوعب داخله الأقباط وأصبحوا عربا كغيرهم , فأين الأقباط المسيحيون ؟



طالما إن الشىء بالشىء يذكر , فإننا نسأل المسيحيين ومن يدعون هذه الدعاوى الباطلة , إذا كنتم أنتم أصحاب البلاد والأرض , فلماذا أنتم غير سود , بل معظمكم من أصحاب البشرة البيضاء والصفات الأوروبية , فهل كان من بين المصريين القدماء من يشبه الرومان , أو الفرنسيين .. مثلا ؟؟



أنه سؤال لا يجد إجابة سوى أن المسيحيين فى مصر مثلهم مثل غيرهم , أجناس وافدة إلى هذه البلاد , واستوطنوا بها واندمجوا فيها , وأصبحوا مصريين , تماما مثل الفرس والأغريق والرومان والترك والعرب واليونانيين والأكراد والأنجليز والبلغار والألمان والفرنسيين والعرب والليبيين والزنوج الأفارقة والسودانيين وغيرهم , من الأجناس التى جاءت الى مصر واستوطنوها.بما يؤكد أن المسيحية ديانة وافدة علي مصر مثلها مثل الاسلام .





لقد انصهر الجميع فى البوتقة القبطية "المصرية", وأصبحوا يشكلون القومية المصرية الحديثة , فلماذا تريدون إيهام العالم أنكم أصحاب الأرض؟



إن تبرؤ المسلمين فى مصر من هذه التسمية – القبط - ولمجرد أنه تعارف على إطلاقه على المسيحيين المصريين , يعد تبرؤ من مصريتنا وهذا خطأ تاريخي منهم , فمعنى اعترافنا بأنهم قبطا دوننا هو اعتراف منا بأنهم هم أصحاب هذه الأرض واعطاءهم صفة أصحاب البلاد الأصليين , وأننا العرب وأحفادهم مجرد وافدين , ويجب أن نتأكد أن أجدادنا العرب لم يكونوا بأمريكيين احتلوا أرض الهنود الحمر أو بريطانيين استولوا على أرض استراليا , إنما نحن أحفاد المصريين والعرب معا , وكفانا فخرا ما ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فينا نحن قبط مصر .



بناءً على تلك الحقائق يجب أن نعود إلى رشدنا ونسمى الأمور بمسمياتها الحقيقية , بدلا من التزييف المقصود , ومحاولات التضليل المتعمد , وتغيير المفاهيم لدى الناس لتحقيق مكاسب وهمية وآنية ومرحلية , لأنه لن يسمح لأحد بقصر لفظ مصرى على فئة قليلة العدد من أفراد المجتمع , وليس ذلك فحسب , بل و صبغها بالصبغة العقائدية أو الدينية , لأن هذا يعد تزييفا للتاريخ والواقع وتغييبا للعقول , وأختزال رخيص للقومية فى طائفة معينة لا تشكل سوى مايقرب من 5% من تعداد سكان الوطن !!



الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها!!?





يبدو أن قلة ممن يطلقون على أنفسهم " أقباط الولايات المتحدة الأمريكية " – بإعتبار أنهم يتحدثون باسم أمريكا , أو أنهم يحتمون بأمريكا , أو أنها توفر لهم الحماية على أرضها , أو على اعتبار أنهم يحملون الجنسية الأمريكية - تسير على منهج النفخ فى النار لحرق مصر كلها ؟؟ …



فإذا كانت الجماعات الأصولية المسلمة استخدمت العنف فى حربها ضد كل ما هو مصرى تحت ستار أن مصر دولة كافرة ويجب إجبار الحكومة على تطبيق الشريعة الإسلامية , وإقامة الدولة الإسلامية بالبلاد فقد ظهر في المقابل متطرفون مسيحيون سموا أنفسهم بـ "الأمة القبطية " في خمسينيات القرن الماضي اي قبل ظهور الجماعات الاسلامية التي تتبني طريق العنف وكونت " الامة القبطية " مليشيات مسلحة كان شعارها " المسيح زعيمنا والإنجيل دستورنا وارض مصر كلها أرضنا ".وقد تراجعت الجماعات الاسلامية المتشددة عن افكارها وتبنيها للعنف ولكن جماعة " الامة القبطية" والسائرين علي نهجها لم يعلنوا تخليهم عن فكرة تحرير مصر من الاستعمارالعربي الاسلامي المزعوم .



كما أن جماعة منظمة أقباط الولايات المتحدة ومعها قلة من أقباط أمريكا , وكندا , واستراليا , واوروبا , تمثل هي الاخري جماعات مسيحية متطرفة ذات نزعات عرقية كذوبة , تستخدم هذه الأيام أساليب أخطر مما كانت تلجأ له الجماعات الأصولية المسلمة فى اختلافها مع الحكومة.



وللأسف تساعدهم الكنيسة على ذلك بتصريحات قساوستها للشباب في مدارس الأحد التي تقيمها الكنيسة علي امتداد مصر ويتم فيها تلقين هؤلاء الشباب تلك الافكار الخاطئة إلي جانب الإعلام التابع للكنيسة وعلي الأخص جريدة "الكتيبة الطيبية" التي تحرض علي الفتنة , وتحجب الحقائق, و تتعمد إخفائها, وتدعو إلي احياء اللغة القبطية بديلا عن اللغة العربية رغم ان اللغة القبطية معظم حروفها ماخوذ عن اللغة اليونانية اي انها ليست لغة مصرية اصيلة .



إنهم يستخدمون حرب البيانات والمنشورات والإنترنت والصحف الأمريكية, و يشيعون عبرهذه الاساليب أن مصر دولة محتلة من المسلمين ، وأن مصر للمسيحيين باعتبار -خلافا للتاريخ والواقع - أنهم هم سكان مصر الأصليين , وأن المسلمين هم أحفاد الغزاة العرب ؟؟؟ !!!



ولنتأمل معا هذا الكلام الخطير



"أنا القبطي الفرعوني صاحب الأرض، أنا القبطي الشامخ صاحب هذا الوطن الذي سُلِبَ مني منذ الغزو الإسلامي وإلى الآن، وسيرحل قريباً كما رحل من أسبانيا، فلم تعد النعرة الإسلامية لها جاذبيتها الآن في جو أصبح الغرب المتحضر يفهم أن العرب جرب"!!! ….



علينا أن نعمل بكل جهدنا وطاقتنا وأموالنا وذكائنا وأن نطرد الشر ونقاوم كل سهامه الشريرة، وأن نستأصل الاستعمار الإسلامي من جذوره في مصر.. كل مصر؛ فأمة الأقباط ليست لبني إسماعيل فيها جذور، وإذا كان المستعمر المسلم قد فقد كرامته وحياءه فوجب عليه أن يرحل بإرادته عن مصر ويترك أصحاب الأرض "الأقباط" في حالهم ؛ لذا وجب علينا نحن " الأقباط" الذين هاجرنا بعيداً عن عبودية الإسلام أن نعمل جاهدين على طرد المستعمر المسلم قبل أن يبيد المسيحيين ويطردهم من ديارهم.







إن كان طرد الاستعمار الإسلامي قد يأخذ أجيالاً ولكنه في الإمكان طرده ؛ فقد حدث في أسبانيا بعد استعمار إسلامي لقرون طويلة ، وحدث في الفلبين وبعض جزر اليونان ، ولن يخرج الاستعمار الإسلامي من مصر إلا بالقوة ".انتهي الاقتباس .



وهذا الكلام هو رأى أديب مجلي الذى كتبه في مجلة " صوت مصر الحر" الصادرة في الولايات المتحدة يعبر بها عن الشعور السائد لدى مسيحيى مصر منذ عدة عقود لتنفجر على شكل موجات غضب مفتعلة وغير مبررة كل فترة من الزمن والتي كانت آخرها موجات المظاهرات التي تم تنظيمها في ساحة الكاتدرائية المرقسية بعد فرار زوجة أحد القسس بدينها الإسلامي الذي اعتنقته عن طيب خاطر وإيمان بالله الواحد القهار, وكذلك ما حدث فى الأسكندرية .



ويروي لنا التاريخ أن صحيفتا "الوطن" لمالكها ميخائيل عبد السيد و"مصر" التي يملكها تادرس شنودة قد عملتا على تأييد الإنجليز في كل قراراتهم حين كانوا يحتلون مصر بل وذهب المسيحيون فى هذا الوقت المبكر إلى أنهم أمة منفصلة وأنهم من سلالة الفراعنة وأصحاب البلاد الاصليين حتى عندما جاء الرئيس الأمريكي روزفلت إلى مصر عام1910 وألقى خطبة في الجامعة المصرية غضب منها الشعب المصري , لأنها كانت تدخلا فى أدق الشئون المصرية , رغم الإحتلال البريطانى لمصر , كما ناصر المسيحيين ضد المسلمين بما يمكن تسميته بدق الأسفين بين المصريين المسلمين والمسيحيين واليهود , و كان الوحيد الذي استحسنها هم المسيحيون ؟؟!! ..



تصاعدت أساليب المسيحيين فى الضغط على الحكومة المصرية مستغلين وجود الإنجليز في ذلك الوقت , حتى عقدوا المؤتمر "القبطي" في أسيوط في 5 مارس عام 1910 ووضعوا لهم مطالب تناقض كل مشاعر الإنتماء الوطني؟ مثل تلك المطالب التى قدموها مؤخرا إلى الحزب الوطنى أثناء انعقاد مؤتمره السنوى السادس .



كما نشطت جماعة "الأمة القبطية" عام 1954 ، و طالبت علناً بتدريس اللغة القبطية ، ورفضت إطلاق لفظة أو مسمى مصري على المسيحيين ، بل حرصوا ـ وأصروا ـ على استخدام مسمى قبطي ، - كما جاء على لسان غالي شكري فى كتابه "الثورة المضادة في مصر" - وقد عادت هذه الجماعات ثانية ـ منذ عهد السادات ـ تطالب بما طالبت به الجماعة المذكورة آنفا ولكن هذه المرة ظهرت وهى ترتدى ثوباً جديداً مستندة الى الكنيسة ، وتعمل تحت مظلتها !!!



إذا كانت الصراحة راحة – كما يقولون – كما أنها ليست ذنباً , ولا تحتاج لصك غفران !!



فإننا يجب أن نناقش هذه الأفكار السوداء بكل صراحة ونكشفها للناس , من منطلق وضع الأمور فى نصابها الصحيح , وبحثا عن الحقيقة مستعينين بالتاريخ الذى لا يكذب ولا يتجمل !! وحتي نجنب وطننا مصر شر الفتن التي يمكن أن تطال المسلمين و اخوانهم المسيحيين شركاءهم في الوطن علي السواء .

No comments:

Post a Comment