الطلاق بسبب البنات
"يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات" مقولة كانت شائعة لدى أجدادنا تتعلق بخلفياتهم الثقافية وأفكارهم آنذاك ، وعندما ترن هذه المقولة على مسامعك قد تتعجب لها وتعتبرها سبة فى حق بناتك وأخواتك ، ولكن يبدو أن هذه الأفكار لم تنقرض فى مجتمعاتنا العربية بعد ، وللأسف لازال الفكر القديم راسخاً داخل العقول والأذهان في مصر وبعض الدول العربية ، وهذا ما أشارت إليه دراسة مصرية حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والتي كشفت عن 10 آلاف حالة طلاق سنوياً بسبب إنجاب البنات.
سجلت الدراسة 1780 حالة طلاق بالقاهرة ، و 1017 بالأسكندرية ، وتضاعفت النسبة في محافظات الوجه القبلي حيث يعتبرون إنجاب البنات أمرا شائنا يجلب العار والغضب والحزن ، الأمر لا يقتصر على مصر فقط ولكن تمتد جذوره إلى بعض المجتمعات العربية حيث يتخلص الزوج من زوجته التي لا تنجب إلا إناثاً بالطلاق، ويبحث عن غيرها باحثاً عن الولد الذي يحمل أسمه ويمتد اسم العائلة على يده ، وعلى الرغم من أن النظرة إلى المرأة ووضعها تغير واحتلت أرفع المناصب فى جميع المجالات ، إلا أن هناك كثيرين لا يزالون يعتبرون إنجاب الأنثى عارا أو على الأقل لا يغنى عن الولد.
عزوة بالأردن
لم تقتصر هذه الظاهرة على مصر فقط ، ولكن مازالت كثير من المجتمعات العربية تفضل إنجاب الأولاد ، و كشفت دراسة اجتماعية أردنية سابقة لجامعة اليرموك عن شيوع استمرار ظاهرة التحيز لإنجاب الأطفال الذكور لدى الأسر الأردنية .
وأكدت الدراسة التي حملت عنوان "متلازمات تفضيل إنجاب الذكور في الأردن" أن هذه الظاهرة تأتي كنتاج نسق قيمي معياري ينظر إلى أن الطفل الذكر هو الوريث المنتظر لثروة الأسرة والحامل لأسم العائلة ومصدر عزوتها وهو معين للأب في عمله وضمان للأبوين في حالة عجزهم عند الشيخوخة في حين ينظر لإنجاب الإناث كعبء اقتصادي ومصدر قلق للأسرة أحياناً.
عقد غير معلن عنها
وقد نعتقد أن الغرب سبقنا وتخلص من العقد والفكر العنصري بمختلف أشكاله منذ سنوات طويلة ، ونجدهم دائماً يستهجنون نظرة العرب للمرأة والتقليل من شأنها وتهميشها بالمقارنة بالرجل ، إلا أن أحد الدراسات الأمريكية السابقة أكدت أن الرجال يفضلون سراً أبناءهم الذكور وأنهم اقل ميلاً للسعي للطلاق بوجود صبي في العائلة ، وكلما ازداد عدد البنات في العائلة كلما ارتفعت فرص وقوع لطلاق ، واعتمدت الدراسة على تقييم وفحص دقيق لبيانات وسجلات عائلية في أميركا وغيرها من الإحصائيات التي شملت الملايين من العائلات وتوصلت فى النهاية إلى أن الشعب الأمريكي يفضل الصبيان بشدة على البنات.
كما أكدت بيني مانسفيلد التابعة لمنظمة البحوث العائلية أن البحوث في بريطانيا تساند فكرة انه في الزيجات غير السعيدة يميل الآباء للانسحاب من أدوارهم الأبوية على الأخص مع بناتهم ، مشيرة إلى أن الآباء الأقل ارتباطا ببناتهم لا يشعرون أنهم يستطيعون مزاولة أنشطة مع بناتهم بالطريقة التي تحدث مع أولادهم كالخروج مثلا للعب او مشاهدة كرة القدم.
وأظهرت الدراسة التي تحمل عنوان "الطلب على الأبناء والذكور" أن الزوجين اللذين ينجبان بنتاً واحدة تزيد فرص وقوع الطلاق بينهما بنسبة 44.4% من الزوجين اللذين لديهما صبي واحد أما الزوجان اللذان لديهما ثلاث بنات فهما أكثر عرضة للطلاق بنسبة 6.8 % من الزوجين اللذين أنجبا ثلاثة صبيان ، وكذلك فان الأمهات المطلقات اللائي لديهن أبناء ذكور أكثر عرضة للزواج مرة أخرى من الأمهات المطلقات اللائي لديهن بنات، كما أن النساء المطلقات أكثر عرضة بنسبة 6.4 % لان تفشل زيجاتهن الثانية أيضا إذا كان لديهن بنات فقط.
أفكار بائدة
وأبدت الدكتورة نسرين البغدادي - أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية - دهشتها بنتيجة الدراسة قائلة لـ "لهنّ " : 10 آلاف حالة طلاق سنوياً بسبب إنجاب البنات نسبة كبيرة جداً ، ولكن لابد أن نتعرف فى البداية على الخلفية التعليمية والمهنية التي شملتها الدراسة ، ولو نظرنا إلى النسب المذكورة لوجدنا أن أغلب النسبة تتجه إلى الوجه القبلي ، وهذا يعني أن ثقافة التمييز بين الذكر والأنثى لازالت موجودة هناك بالرغم من الجهود المبذولة في الصدد الخاص بتغيير بعض الثقافات والأفكار الخاطئة .
وتضيف د. البغدادي : ولمعالجة التمييز بين الجنسين مطلوب منا التركيز على مناطق الوجه القبلي ، ولابد أن تكون الجهود منصبة على جهود الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني وجهات البحث للتوصل لتغيير الثقافة بعقد ندوات وجلسات استماع لمعرفة الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى توارث هذه الأفكار ، ولاشك أن النسب المذكورة بالقاهرة والأسكندرية من النازحين من الوجه القبلي وذوي أصول ريفية.
وتؤكد د. نسرين البغدادي للهنّ أن بالرغم من نتائج الدراسة المتعلقة بالطلاق في مصر إلا أننا لا ننكر أن هذه الفكرة تغيرت عن قبل بجميع طبقات المجتمع في مصر وغيرها ، مشيرة إلى أن المجتمع الأمريكي له نظرة متشابهة بطريقة أو بأخرى تجاه هذا الأمر ، ويمكن لمتابع الدراما الأمريكية اكتشافها بسهولة ، وسيعرف أن فرحة الأب تتضاعف بإنجاب الولد مقارنة بالبنت ، وسواء كان هذا التحيز بالدول العربية أو الأوروبية الأمر فى النهاية يعتمد على النظرة الزائفة لتفضيل الولد كونه هو المتحمل للمسؤولية وامتداد لاسم العائلة ، ويتقلد المناصب وإن تفاوتت النظرة بحسب أفكار كل مجتمع ، مشيرة إلى أن المرأة نفسها هي أحد العوامل التي تساهم في إعادة إنتاج هذه الأفكار من جديد ، برغبتها وولعها بإنجاب الأولاد ، لذا نري أن أم الولد فى مجتمعنا تعتبر نفسها مميزة فى المجتمع وبين أفراد عائلتها وتشعر بالفخر كونها أم الأولاد.
مخالفة لشرع الله
ويعلق دكتور محمد فؤاد شاكر أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس على هذه النظرة قائلاً لـ "لهن ": إنجاب الأولاد أو البنات هبة من الله تعالي " يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ" ، فمن لا يقبل هبة الله له فهو عاص وغير راضي بحكم الله ، وقد ثبت أن إنجاب البنات له أفضلية لكيان الأسرة والمحافظة عليها ربما أكثر من الأولاد ، مؤكداً أنه لا يشعر بذلك إلا من مر بهذه التجربة .
ويشير د. محمد فؤاد شاكر إلى أن المرأة في الإسلام لها مكانة جعلت منها مشاركة للحياة العامة ، ومؤدية لكثير من المهام التي لا يستطيع أن يؤديها الرجل ، ومن قضي على كيان أسرته بإنجاب البنات فقد خالف شرع الله ، إلا أن هذا الأمر لا تتحمل مسؤوليته المرأة بل الرجل هو الشريك الفعال في هذا الأمر ، وهذا ما أثبته العلم الحديث والأمر بالمقام الأول يتعلق بالجينات ، حيث يحمل الرجل جينات X وY ، Y يقصد بها الذكور و X يقصد بها الإناث ، فإذا تفوقت نسبة Y الرجل على X المرأة ، فبذلك تنجب المرأة ذكراً ، وإذا حدث العكس وتفوق الـX بالتقاء X الرجل مع X المرأة أنجبت الزوجة أنثي ، إذا السبب في نوع الجنين يرجع في المقام الأول إلى الرجل بعد إرادة الله عز وجل ، والأولي أن نعتبر هذا الأمر من الرجل ولا ذنب للمرأة فيما حدث وهذا ما أثبته العلم الحديث.
مقاطع الفيديو
نشيد الطلاق غياب السنا للمنشد القدير مصعب المقرن
عمرو أديب ومأساة الطلاق عند الأقباط وإستبداد الكنيسة
No comments:
Post a Comment