ابن الرئيس محمد نجيب يعمل سائق تاكسي
يقول المثل الثورة يصنعها الابطال ويحصدها الانذال
مأساة أبناء الزعيم محمد نجيب، أول رئيس مصري، تجاوزت كل الخطوط.. حيث حٌكم على نجيب بالإقامة الجبرية في مسكن بسيط بالمرج, وحُذف اسمه من كتب التاريخ, ودفع اثنان من أبنائه حياتهما لأنهما أبناء نجيب, ونجا الثالث بعدما ارتضي أن يعمل سائق تاكسي أجرة
محمد نجيب .. مأساة صامتة
في 23 يوليو 1952.. قامت حركة في الجيش المصري طالبت بالتطهير وإجراء بعض الإصلاحات.. استقبلت الجماهير الحركة بترحاب شديد فاق كل التوقعات, وكيف لا وقد كان على رأسها اللواء محمد نجيب أحد ابرز قادة الجيش المرموقين بأخلاقياته الرفيعة, وثقافته الواسعة فهو حاصل علي ليسانس الحقوق, وخريج كلية أركان الحرب, ويجيد أكثر من لغة ويلم باللغة العبرية, إلي جانب شجاعته في حرب فلسطين التي ضرب فيها القدوة لغيره وظفر بإعجاب الضباط كافة في ميدان القتال, كما تحدي الملك فاروق في انتخابات نادي الضباط في يناير 1952 واكتسح فيها مرشح الملك حسين سري عامر.
سريعا حدث خلاف بين عبدالناصر ونجيب الذي كان يري ضرورة عودة الجيش للثكنات, وانتهت الأزمة بخروج أول مظاهرات في تاريخ العالم تطالب بسقوط الديمقراطية، ويتم عزل نجيب عن رئاسة الجمهورية ووضعه تحت الإقامة الجبرية في فيلا زينب الوكيل بالمرج حتى 1970.
يقص علينا نجيب في مذكراته "كنت رئيسا لمصر" كيف ذاق من العذاب ألوانا مما لا يستطيع أن يوصف, فقد سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار البرتقال واليوسفي من الحديقة, وحملوا من داخل الفيلا كل ما بها من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف وتركوها عارية الأرض والجدران.
يقول نجيب: لقد تعذب أولادي كما تعذبت أنا .. تعذبنا جميعا داخل معتقل المرج . كان ممنوعا علينا لسنوات أن نستقبل أحدا .. وبعد سنوات طويلة سمحوا لنا بذلك , لكن على شرط أن يجلس معنا ضابطا ليسجل كل ما يقال .. وكانت إحدى نقاط الحراسة تقع على السطح , وكان لابد للجنود والضباط ليصلوا إليها أن يمروا بحجرة نومي ..
وكان من الطبيعي ومن المعتاد أن يفزع الجنود أفراد أسرتي بإطلاق الرصاص في الهواء , في منتصف الفجر , وفي الفجر .. وفي أي وقت يتصورن أنه مناسب لراحتنا .
وكانوا يؤخرون عربة نقل الأولاد إلي المدرسة فيصلون إليهم متأخرين ولا تصل العربة إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من انصراف كل من المدرسة فيعودون إلي المنزل مرهقين غير قادرين علي المذاكرة...
كان علي من في البيت ألا يخرج منه من الغروب إلي الشروق, وكان علينا أن نغلق النوافذ في عز الصيف .. تجنبا للصداع الذي يسببه عمدا الجنود والضباط .. كانت نسمة الهواء ليلا في الصيف محرمة علينا، ولم تفلح الشكوى التي اضطررت إليها بسبب الأولاد , إلي عبدالحكيم عامر وإلي غيره".
وليت الأمر اقتصر على ذلك.. فكان الابن الأكبر لنجيب "علي" يدرس في ألمانيا, وكان له نشاط واسع ضد اليهود هناك, كان يقيم المهرجانات التي يدافع فيها عن مصر والثورة وعن حق الفلسطينيين, ولم يعجب هذا الكلام - علي حسب قول اللواء نجيب - المخابرات المصرية التي رأت في نشاطه إحياء للكلام عن أبيه.
وفي ليلة كان "علي" يوصل زميلا له فإذا بعربة جيب بها ثلاثة رجال وامرأة تهجم عليه وتحاول قتله, وعندما هرب جرت وراءه السيارة وحشرته بينها وبين الحائط, ونزل الرجال الثلاث وأخذوا يضربونه حتى خارت قواه ونزف حتى الموت, ونقل جثمانه إلي مصر فطلب اللواء نجيب أن يخرج من معتقله ليستقبل نعش ابنه ويشارك في دفنه...لكنهم رفضوا, كان هذا في عام 1968.
ولم يسلم فاروق - الابن الثاني لنجيب من نفس المصير - فقد استفزه أحد المخبرين الذين كانوا يتابعونه وقال له: ماذا فعل أبوك للثورة .. لا شئ ..أنه لم يكن أكثر من خيال مآتة ديكور واجهة لا أكثر ولا اقل.
فلم يتحمل فاروق هذا الكلام وضرب المخبر. يومها لم ينم فاروق في البيت, فقد دخل ليمان طره, وبقي هناك خمسة أشهر ونصف ..خرج بعدها محطما منهارا ومريضا بالقلب, وبعد فترة قليلة مات.
يقول نجيب في مذكراته: "أما أبني الثالث يوسف , فلم يكن رغم بعده عن النشاط العام , أكثر حظا من أخويه .. فبعد أن تخرج من معهد العلوم اللاسلكية أشتغل في إحدى شركات الدولة , ولكنهم لم يتركوه في حاله .. افتعل أحد أقارب شمس بدران مشاجرة معه , انتهت بإصدار قرار جمهوري برفته والتخلص منه.
ولم يجد يوسف ما يفعل سوي أن يعمل على سيارة أجرة في الضواحي وهو الآن أسعد حالا لأنه يعمل في شركة المقاولون العرب سائقا في الصباح , وعلى تاكسي اشتراه بالتقسيط في المساء".
وقبل وفاته حصل ورثة زينب الوكيل على حكم باسترداد الفيلا التي يسكن فيها نجيب .. وأصاب هذا الخبر نجيب بالحزن.. فقد عاش في هذه الفيلا منذ نوفمبر 1954 .. واستودع فيها كل ذكرياته.. كما لم يكن مسكن آخر .. وتدخل الرئيس مبارك ووفر لنجيب مسكن ملائم في القبة.
وبعد حياة حافلة توفي نجيب في 28 أغسطس 1984, وتقدم الجنازة العسكرية الرئيس مبارك، ويوسف نجيب، بالإضافة لأعضاء مجلس قيادة الثورة الباقين علي قيد الحياة. يقول اللواء حسن سالم – ابن أخت اللواء نجيب – "الغريب أنه في ذلك اليوم العجيب والرجل لم يبرد دمه في قبره إلا وجاءني خبر طرد أحفاده من فيلا ولي العهد، التي خصصها له الرئيس مبارك بعد طرده من فيلا المرج"
مقاطع الفيديو
فيديو نادر للرئيس اللواء محمد نجيب اول رئيس لمصر
No comments:
Post a Comment