اسامة درة الثائر على الاخوان

حاور "محيط" أسامة درة ، وهو كاتب إخواني شاب، صاحب كتاب مغاير للفكر التقليدي للجماعة بعنوان "من داخل الإخوان أتكلم" وكتاب آخر قيد النشر عن علاقة الإخوان بميدان التحرير ( رمز الثورة المصرية) ، وكان أسامة من بين الداعين لوقف استخدام شعار "الإسلام هو الحل" في ملصقات الإخوان، وكذلك لثورة شاملة على نظام السمع والطاعة من شباب الجماعة لقيادات "عجائز" ظلوا في مقاعدهم عشرات السنين .

محيط : لماذا ثورة داخل جماعة الإخوان الآن ؟

- جماعة الإخوان تحتاج لفوران تراجع فيه كل الأخطاء القديمة . وقد أبلى الإخوان خلال ثمانية عشر يوما هي عمر الثورة بلاء حسنا وقصص بطولاتهم تعزز لدى البعض الشعور بأن الجماعة بخير ولا تحتاج لإصلاحات كبيرة، وهذا غير صحيح، كما أنه غير صحيح أن الإخوان خلال الثورة صدروا "نقاءهم" للآخرين.

وما أراه أن الجماعة تدار بشكل سيء، فمن يديرونها كبار في السن وصيغت عقولهم في زمن قديم، أما شباب الجماعة فهم قليلو الإنتاج الفكري وينتظرون الأوامر عادة ويدافعون عن كل ما يصدر عن القيادة بلا تدبر ، لذلك آن الأوان لأن تجري الجماعة تغييرات كبيرة ثورية فهو أوان الثورة على كل الأخطاء في كل المؤسسات .

محيط : متى "تفهم" قيادات الإخوان رسالتكم ؟

- الحقيقة أن من وجه الرسالة هذه المرة ليس شباب الجماعة وحدهم . إنما البلد كلها ترسل رسالة فحواها أن العهد عهد الشباب، هذا يسري على كل البلد داخل و خارج الإخوان، و أن كبار السن الذين اعتادوا الإنحناء تحت السقوف الوطيئة أو الإلتزام بالخطوط الحمراء انتهى زمنهم وعليهم أن يفسحوا المجال للشباب الذين ملكوا التكنولوجيا وألهبوا الشوارع ورجوا الدنيا رجا .

و من اعتاد من قادة الجماعة أن يرى الشباب هشا خفيفا و عرضة للاستدراج أدرك الآن أنه أساء و أنه كان يتوهم .

حان الوقت لإطلاق سراح الشباب الذين تم تسخيرهم لخدمة رؤى قادة قضوا ما يزيد على ربع القرن في مكتب الإرشاد . و دائما ما أستشهد بمثل "عبد الرحمن منصور" شريك وائل غنيم في صفحة "كلنا خالد سعيد" و صاحب الفكر السياسي للصفحة، و "مصطفى النجار" أحد أشهر مدوني الإخوان و الذي أصبح فيما بعد "منسق حملة دعم البرادعي"، ألم يكن هذا الشابان في الإخوان؟! لماذا تركا الجماعة؟! كم شابا تم "تطفيشه" من الجماعة قبل الثورة بسبب أفكاره و ريادته؟! ألو بقي هذان في الإخوان كانا فعلا شيئا، أم كانا سيضطران لانتظار الإذن؟! .

ما أقوله هنا و بوضوح أن الجماعة لو تجاهلت هذه الرسالة فستتخطاها الأحداث و تتخلف عن السياق المصري الجديد..الذي صنعه الشباب.
محيط : كيف يُتخذ القرار داخل جماعة الإخوان المسلمين ؟

- ما أعرفه أنه لو كان لأحد شباب الجماعة رأي فإنه يستطيع قوله، ثم لا يمر إلا ما ترضاه الإرادة "الأبوية الحكيمة" للقادة، و لو أصر الشاب على نشر رأيه و الضغط ليصبح محل التطبيق (و هو السلوك الديمقراطي الطبيعي) فإن هذا يسمى "قلة أدب"! .

و الرسائل داخل التنظيم تتحرك طول الوقت من أعلى لأسفل، و الرسائل من أسفل لأعلى تتحرك ببطء و صعوبة و قد لا تصل . و القرارات السياسية المهمة يتخذها قادة اختيروا على أساس "إداري" أو "دعوي" و لا خبرة سياسية حقيقية لهم، بينما لا دور للشباب تقريبا في اتخاذ هذه القرارات..

محيط : وإذا أتيحت الديمقراطية ما التغييرات الهامة التي تتوقعها في أداء الإخوان؟

- أتوقع حينها أن تصبح الجماعة فوارة، عالية الإنتاج الفكري، ترتفع فيها قيمة احترام الرأي الآخر، يتولى الشباب فيها مسئوليات أكثر، و يصبح القائد فيها "منسق" و ليس شخصا ذا "وجاهة" و "أبوة" و يصعب مواجهته.

و جماعة الإخوان في مناخ مواتي ستتطور بسرعة شأنها شأن تشكيلات أخرى ظلت مكتومة في عهد "مبارك" ، وسيصبح إدراك الجماعة لنفسها أكثر اعتدالا في السياق الديني والتاريخي والسياسي، فالإخوان جسم أنشأه المجتمع لوظيفة معينة وليسوا حاملي لواء الدين في الزمان .
محيط : هل سببت لك معارضتك لفكر الإخوان مشكلات ؟

- لكل رأي تكلفته، و أنا أتحمل تكاليف آرائي بسعادة و لا أسمي ما أجده أحيانا من عصبية أو سوء فهم "مشكلات"، إنما أراها طبيعة العمل العام . و أنا أملك جرأة و تصميما، و لولا طبيعتي هذه لما انتميت للإخوان مبكرا و الجماعة تحت الحظر و من يقترب منها يناله أذى شديد و هو ما أزعج كل من حولي حينها.

محيط : في كتابك عارضت اختلاط الدعوي بالسياسي فكيف ترى حزب الجماعة الجديد ؟

- ما أدعو له هو: حزب سياسي له مرجعية قيمية فيه الإخوان وغير الإخوان يقدم برامج سياسية و وعودا انتخابية و لا يستدر عطف الناس بشعار ديني (ليكن الدين في ضمير السياسي لا على بوستر الدعاية)، و بجانب الحزب جمعية دعوية و خيرية كبيرة فيها الإخوان و غير الإخوان و لا يستخدم الحزب مرافقها و لا مواردها المالية و لا تختلط عضويته بعضويتها .


هذا يضمن ألا تتأثر الدعوة بتقلبات السياسة، فلا تكون قيم الإسلام الجميلة
في خدمة تيار سياسي و إنما في خدمة كل المجتمع، و يضمن ألا يستخدم الدين سلاحا في المعارك الانتخابية .

أما الحزب الجديد الذي أعلن عنه الإخوان، فبرنامج الحزب لم يخرج للنور بعد، و يلزمه تدابير صريحة تجعله حزبا للمصريين المؤمنين بحزمة معينة من الأفكار و ليس حزبا للإخوان وإلا سيتحول لكيان غير مجد أو فعال.


محيط : وما الحزب الذي تنوي الإنضمام إليه ؟

- سأنضم إلى حزب مدني، له رؤية اجتماعية محافظة، يؤمن بقوة المجتمع المدني و بأن الحرية أنفع للمجتمعات من الحمائية، على رأسه رموز وطنية محل إجماع، أغلب عضويته من الشباب، رئيسه لا يخضع لوصاية آخرين من خارج الحزب.
محيط : هل المخاوف من حكومة إخوان في محلها ؟

- المحتمل أن يشارك الإخوان في ائتلاف حاكم، و هو السيناريو الأفضل للجميع . و المخاوف من أن يفرض الإخوان "الجزية" على الأقباط (!) مثلا أو أن يمنعوا السياحة، هذه مخاوف من لا يعلم الكثير عن الإسلام السياسي و فصائله .

لكني أقول: الإخوان خرجت من الحظر لتوها، و قد أمضى أبناؤها سنين يجمعهم شعور بالاضطهاد، و هذا يجعل الإخوان فئة عالية الحساسية للنقد و لم تعتد الشراكات المتكافئة، و لذلك يلزمها وقت لتنضج و تصبح فاعلا سياسيا يستجلب ثقة الأطراف في الداخل و الخارج.


محيط : كتابك السابق تطرق إلى حالة المسيحيين في مصر، ما سر تأجج الطائفية مجددا ؟

- الغضب الطائفي يخفت، و من أعاده في أطفيح أياد وسخة لأمن الدولة . أما حقوق المسيحيين في مصر فمصونة بعد الثورة، فالديمقراطية تضمن أن يأخذ كل من له حق حقه، و تصريحات كل الأطراف و أفعالهم تبشر بالخير . و لو أصبح لنا -نحن المصريين- مشروع قومي يوحدنا فسيتلاشى الهم الطائفي تماما.

محيط : وما رأيك في جدل المادة الثانية من الدستور ؟

- هذه النقطة فنية أكثر منها طائفية . يبدو أن فقهاء الدستور و على رأسهم المستشار طارق البشري يرون أنه المادة تحدد أشياء وتُعرّف أشياء، و المسيحيون لا يقترحون مصدرا آخر للتشريع أكثر مناسبة للحالة المصرية من مبادئ الشريعة الإسلامية (لاحظي كلمة "مبادئ الشريعة"، و ليس "الشريعة" نفسها) .

أما الجزء الذي يخص المسيحيين أكثر وينبغي علينا كلنا - نحن المصريين - أن نوليه الاهتمام فهو "مدنية الدولة" و التي تضمن ألا يوجد مواطنون درجة أولى و آخرون درجة ثانية، و هذا الجزء مصون في الدستور لم و لن يمس، و يبقى الاجتهاد ليصبح هذا الجزء محل الاحترام و التطبيق في البلد.
محيط : كيف أثرت بك مشاركتك بميدان الثورة المصرية ؟

- قيمة علم مصر..الآن أحب العلم، و تدمع عيني عندما أراه، و احتفظ به في غرفتي . هو رمز وحدتنا . و أصارحك القول: المتدينون كانوا يتحرجون عادة من استخدام العلم، فالمفترض عندهم أنه دليل الفرقة و هو من إرث "سايكس-بيكو" و يذكر المتدينين بسقوط الخلاف..و أشياء من هذا القبيل . لكن ميدان التحرير علمنا كيف نفرح بالعلم ونرفعه لأنه علم الشعب والثورة وليس علم المنتخب أو علم المستبد .

و أبهرتني أيضا طريقة تعامل المعتصمين في الميدان مع المشاهير الذين تقاطروا علينا لينالوا شرف الوقوف بصف الناس، طريقة ليس فيها تجمهرات و لا تدافع . الشباب الذين كانوا في التحرير هم أنبل و أعلى و أرقى شباب هذا البلد.

محيط : وماذا تقول للثوار الذين يسعون لإزاحة أنظمتهم العربية؟

- علمتنا الثورة أن نقول الحق كله و لا نتلون . في الأيام الثلاثة الأخيرة قبل رحيل "مبارك" كنت أقول لنفسي: "النظام في مكانه، إذن ليبق مبارك حتى سبتمبر، لقد أدبناه و من سيأتي بعده"، لكننا لما صبرنا أياما قليلة رحل مبارك . علمتني الثورة ألا أرضى بنصف حقي، آخذ حقي كله أو أموت في سبيله . و هذ ما أدعو إليه ثوار العرب كلهم.

مقاطع الفيديو

أسامة درة في "عصير الكتب"

1 comment:

  1. المقال يبدو قيم
    لكن....
    الاخوان بقاعدتها الشعبية الكبيرة تبدوا دئما بالنسبة لى وللبعض
    غير مطمئنة
    وفكرى عنها انها ميكافيلية

    ReplyDelete