هناك الكثير من الجرائم التي أصبحت تحدث بشكل يومي بل اعتادنا على سماعها ورؤية الكثير منها ،بالرغم من أنها جرائم لكنها أصبحت بالنسبة لنا شيئا مألوفا ليس بالغريب ، فكثيراً ما نستيقظ ونقرأ خبراً في الصحف عن أب اغتصب ابنته ، أخ يمارس الجنس مع أخته ،أم حامل من ابنها ، عم أو خال له علاقاته جنسية مع ابنة أخيه أو ابنة أخته .. والكثير من هذا القبيل أمر تقشعر له الأبدان ومصيبة نعيشها هذه الأيام وهى "زنا المحارم " والتى من الممكن ان تكون أحياناً اغتصاب بعدم رضا أحد الأطراف ، أو علاقة حميمة برضا الطرفين .
الأمر الذى يدفعنا للتساءل مالذي حدث فى المجتمع الإسلامي حيث الدين والأخلاق والقيم ،لماذا أصبحت مثل هذه العلاقات تزداد يوم بعد يوم ؟، فى السطور التالية محاولة للاجابة على هذا السؤال ومعرفة كيفية القضاء على هذا الوباء .
فى البداية يقول الدكتور نصر فريد واصل -مفتى مصر الأسبق- بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
لاشك أن الزنا من أكبر الكبائر وأعظم المعاصي التي وعد الله تعالى فاعلها
بالعقاب العظيم بل نهانا عن مجرد قربانه
فقال: ?وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً? ،وإثمه مع المحارم أعظم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من وقع على ذات محرم فاقتلوه) فأعظم الزنا على الإطلاق زنا المحارم، وهو مع عظم إثمه مناف للطباع السليمة والفطرة المستقيمة، ورغم عظمه فإن كفارته هي التوبة النصوح مع الندم والاستغفار، ومن تاب تاب الله تعالى عليه، لكن ينبغي التوبة النصوح التي لا عودة فيها إلى عصيان الله تعالى أو إلى ما لا يرضيه، قال تعالى: ?قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ?.
ويقول الدكتور مبروك عطية من علماء الازهر الشريف : زنا المحارم هو مواقعة الرجل لإمرأة ذات محرم له كأمه و أخته و خالته و عمته
وتحدث هذه المصيبة من خلال التحرش الذى يكون فى أول الأمر غير مقصود كالنظر إلى أماكن العورة أو الإحتكاك أو التلفظ بعبارات خادشة للحياء في صورة مزاح الأمر الذى يجرنا لأمور أكبر وهى معصية الله .
والمعاصى التى يرتكبها الإنسان هى التى تثير غرائزه لفعل مثل هذه المصايب حيث يكون فى حالة لا يفرق فيها بين المرأة الأجنبية وأمه أو أخته ،مثل اعتياده على مشاهدة العرى و الفسوق في شاشات التليفزيون أو إظهار المرأة لعورتها أمام المحارم وهذه مصيبة أكبر نغفل عنها فنجد الكثير من النساء يعتقدن أنه ليس هناك حدود لعورة المرأة أمام محارمها رغم ان عورة المرأة أمام محارمها هي بدنها كله إلا ما يظهر غالبا كالوجه والشعر والرقبة والذراعين والقدمين ، قال الله تعالى : (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) ،
فنجد بعض بناتنا يخطئن في لبس البنطلون الضيق أو ما يشف و يصف العورة ظنا منها أن يجوز لبسه في البيت أمام أخوها أو أبوها الأمر الذى يحرك الشهوة ، خاصة اذا كان المسكن ضيق فضيق المسكن يسبب كثرة الإحتكاك وصعوبة ستر العورة فهناك الكثير من الأسر التى تسكن فى غرفة واحدة .
من هنا نجد أن الشريعة أمرتنا بالتفريق بين الأولاد فى المضاجع لما كان النوم مظنة انكشاف العورة ومن ثم ثوران الشهوة ، فمهما كان المسكن ضيق لابد من وضع فواصل بين الأبناء والحرص على ستر العورة اثناء النوم وأثناء تغيير الملابس فالبعض يتهاون في ذلك فلا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى،فالواجب على الأباء و الأمهات أنة يتقوا الله في أولادهم و بنتاهم و أن يعفوهم عن الآثام و الوقوع في المحرمات ، ويغرسوا القيم الدينية لديهم كيف تجلس الفتاة فى المنزل بملابس ضيقة فاضحة ومعها أخوتها فى مرحلة المراهقة ، أو ترتدى الأم ملابس شفافة فاضحة امام أبنائها مهما كانت اعمارهم ، انت حرة ترتدى ما شئتى ولكن داخل غرفة نومك وأمام زوجك فقط ، من منا لم يقرأ تلك الحادثة التى نشرت فى احدى الصحف أن امرأة توفى زوجها منذ سنوات وفوجئت فى يوم من الأيام أنها حامل وبالتحقيق فى الأمر وضح أن ابنها يضع لها مخدر فى الشاى ويضاجعها وهى نائمة ، وذلك نتيجة الملابس التى ترتديها دون مراعاة ان لديها رجل يجب ان تلتزم أمامه بالحشمة والاحترام.
وأخرى اعتادت على احتضان زوج ابنتها وتقبيله ومناداته بكلمات حب واعجاب "يا روحى ، يا قلبى ، يا حبيبى" ظناً منها ان ذلك فى صالح ابنتها ان تتقرب من زوجها وتجعله قريباً منها ، لكنه فهم ذلك خطأ فاعتاد أن يتحرش بحماته بل ويجبرها على ذلك ويهددها بأنه سيبلغ ابنتها ان لم تهاوده وتتجاوب معه .. مصائب كفانا الله شرها وابعدها عنا كلها نتيجة التهاون فى التعامل مع محارمنا ، وقد اتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد لكنهم اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال أو حده حد الزاني ؟ فذهب الشافعي ومالك وأحمد في إحدى روايتيه إلى أن حده حد الزاني ، وذهب أحمد وإسحق وجماعة من أهل الحديث إلى أن حده القتل بكل حال والله اعلم .
يقول الدكتور فرحات السعيد المنجى من علماء الأزهر : لقد عظمت الشريعة الإسلامية عقوبة الزاني بمحارمه فنجد ابن حجر الهيتمي وهو من فقهاء الشافعية يقول في كتابه "الزواجر": وأعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم، وعن البراء بن عازب قال: (لقيت خالي ومعه الراية فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله" رواه الخمسة.
وقال ابن القيم رحمه الله : وأعظم أنواع الزنا أن يزني بحليلة جاره، فإن مفسدة الزنا تتضاعف بتضاعف ما ينتهكه من الحرمة، فالزنا بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما وعقوبة من التي لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه، وتعليق نسب غيره عليه، وغير ذلك من أنواع الاذية فهو أعظم إثما وجرما من الزنا بغير ذات البعل. فإن كان زوجها جارا له، انضاف إلى ذلك سوء الجوار وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي الذنب أعظم فذكر الشرك ثم القتل ثم الزنا بحليلة الجار، كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ولا بائقة أعظم من الزنا بامرأته فإن كان الجار أخا أو قريبا من أقاربه انضم إلى ذلك قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم.
فعندما وضع الإسلام الطريقة المثلى لتصريف الغريزة وهى الزواج ، منع في المقابل تصريفها في غير الطريق المشروع، فلذلك حرم الله تعالى مجرد الاقتراب من الزنا لأنه فاحشة وسبيل سيئ فقال تعالى:َلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ،فزنا المحارم كبيرة من الكبائر ومعصية عظيمة وفاعلها فاسق فاجر وهو من أشد أنواع الزنا ، ولكن إن تاب فاعله تقبل التوبة منه إن شاء الله تعالى ، يقول ربنا فى كتابه {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا 71..
No comments:
Post a Comment