سهى عرفات تبوح بأسرار علاقتها بياسر عرفات

تصادف هذه الأيام ذكرى الرحيل الخامسة للرئيس الفلسطيني المناضل ياسر عرفات.. ورغم مرور هذه السنوات، مازال الحديث عن حياة الرئيس الراحل يجتذب جماهير كبيرة لمعرفة المناطق الغامضة في مشواره السياسي والاجتماعي بل والعائلي أيضا.



ورغم وفاة عرفات لم تنحسر الأضواء عن عائلته، فهاهي الأضواء تتركز من جديد على زوجته سهى وابنته الوحيدة زهوة اللتان تعيشان منذ عامين في مالطا إلى جانب شقيق سهى السفير الفلسطيني في مالطا، جابي الطويل وعائلته، ومع سهى والدتها ريموندا، وشقيقاتها ديانا وهالة وليلى يزورانها باستمرار.



وسهى التي كانت منفتحة على الإعلام قبل وفاة زوجها، آثرت الابتعاد عنه، ولم تدخل خلال السنوات الخمس الماضية إلا بحديثين أحدهما لجريدة "الحياة" اللندنية وآخر لجريدة "الصنداي تايمز" البريطانية، وقبل أيام وافقت سهى على إجراء الحديث الصريح التالي مع مجلة "هي" التي تصدرها المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق وفيما يلي نصه:



* يرسمون لك صوراً مختلفة ومتناقضة، فكيف ترسمين شخصيتك، من هي سهى الطويل عرفات الحقيقية؟

** أنا امرأة فلسطينية، ولدت في القدس وترعرت فيها وفي نابلس ورام الله، حيث تلقيت علومي الابتدائية والثانوية ثم ذهبت الى جامعة السوربون في فرنسا لإتمام علومي الجامعية العليا. والدي داوود الطويل كان والداً محباً، وقد درس الاقتصاد في جامعة اوكسفورد العريقة، ثم عاد ليؤسس البنك العثماني في اربد ونابلس، والدتي ريموندا حوا الكاتبة والإعلامية المناضلة ريموندا حوا، سجنها الإسرائيليون مرات عديدة، وقد أرضعتنا حليب النضال منذ طفولتنا، وأنا لم اعرف وطني من دون الاحتلال منذ ولادتي، أمضيت شبابي ورفيقاتي نقاوم الاحتلال بالمظاهرات والاعتصام.



هويتي رسمت معالم حياتي، وكذلك زواجي من أبو عمار، وأنا بطبعي مقبلة على الحياة، أحب الناس، وأتعامل مع شؤون وشجون الحياة بالعزيمة والإيمان.



* ما هي الصورة التي بنيتها في مخيلتك لياسر عرفات قبل لقائك الأول به؟

** كان عمري خمس سنوات عندما سمعت اسمه، وكنت مختبئة مع العائلة في احد الملاجئ في نابلس، وكنا نسمع الطلقات النارية والصرخات البشرية، كان موشيه دايان يقتحم نابلس، والناس تصرخ "سلم نفسك يا أبو عمار".



* وكيف كان اللقاء الأول؟

** شعرت بالرهبة والخوف، فقليلون هم الرجال الذين يملكون الجاذبية وهيبة السلطة مثله، ولكنني شعرت أيضاً بطيبته وحسن استقباله لنا، أنا ووالدتي وإخوتي، وهو قال لي لاحقاً لقد أحببتك من أول نظرة.



* وأنت من أحببت رجل السلطة والنضال، أم الإنسان؟

** أنت تتحدثين عن شخص واحد هو أبو عمار، لقد كنت مشدودة في البدء إلى قائد الثورة، إلى رمز القضية، إلى ذلك الرجل المؤتمن على حلم شعب بكامله، وبعد معرفتي به، أحببت فيه الشهامة والبطولة والرجولة والعقل الراجح، أحببت عطفه وحنانه ورومانسيته.



أحببته لأنني وجدت فيه قائداً لا يفرط بحقوق شعبه، ولا يهادن عدوه، أنا فخورة بأن أكون زوجة من وضع القضية الفلسطينية على الخارطة السياسية العالمية، ذلك الذي أطلق العلم والنشيد الوطني الفلسطيني، لقد أمضيت مع أبو عمار 20 عاماً مليئة بالأحلام والأهداف والحقوق والمآسي، لقد عاش أبو عمار شاهقاً كالرمح ومات كذلك، سرقني أبو عمار وأنا فتاة شابة حالمة، أخذني إلى عالمه المليء بالعنفوان والثورة والإيمان بالله والوطن.



والواقع انني شعرت انه بحاجة الى امرأة الى جانبه تهتم به، وانا لم اغير في ابو عمار شيء، بل هو الذي غيرني وقلب حياتي رأساً على عقب، عندما تزوجت ابو عمار كانت اعلم ما انه مقبلة عليه، كنت اعلم ان حبيبته الاولى هي فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. بل شرف لي انني كنت الحبيبة الثانية بعد فلسطين.


الرئيس الراحل ياسر عرفات



الرئيس الراحل ياسر عرفات


* تقولين ان ابو عمار كان رومانسيا..؟

** نعم.. نعم، من يعرف ابو عمار عن قرب كان يعرف انه انسان ودود يهوى الشعر، والموسيقى وفيروز واغنية زهرة المدائن، كان عطوفا منتبها لأدق تفاصيل حياتي عندما تسنح له الفرصة والوقت.. وهو ايضا رقيق وشفاف تبكيه معاناة الارامل والاطفال من ابناء شعبه، ويؤرقه حرمانهم من ابسط حقوق الانسان.



* وماذا عن الذي قرأناه حول خلافات زوجية وجفاء بينك وبين ابو عمار؟

** لقد فوجئت ولم يفاجأ ابو عمر بالهجمة الاعلامية الاسرائيلية الغربية، والعربية الى حد ما على عائلة ابو عمار، وكان يقول لي :«يا سهى انت لست المقصودة، بل انا، فهم يريدون اغتيال شخصيتي وحياتي الخاصة لانهم لا يستطيعون قتلي، وانا لو تزوجت قديسة فهي ستنال نفس المصير». كان يردد رحمه الله :«المقصود هو انا والقضية، لا تزعلي، ويا جبل ما يهزك ريح، المهم انا اعرف من انت». واذكر جيدا انه كان يكرر لو غسلت هذه المجلات والجرائد لزالت حبرا اسودا. لقد عشت مع ابو عمار حياة مليئة بالمفاجآت والتكهنات والظروف الصعبة وكذلك الظلم، وكان اشدها طبعا من ذوي القربى، الذين ظلموني في حياته وبعد مماته.



* وماذا عن التقارير الصحفية التي تحدثت عن الثروة التي تركها لك ابو عمار؟وكم منزلا تمتلكين؟

** نعم لقد ترك لي ابو عمار اكبر ثروة هي ابنتي زهوة، وتاريخه الحافل المحفور في قلب وعقل كل فلسطيني ومحب للحرية. ولم يترك لي ابو عمار ولا لزهوة لا منزلا ولا ثروة، واحيانا عندما تشتد صعاب الحياة علينا، اغضب وابكي واترحم عليه.



* لماذا تعيشين في مالطا؟

** بعد ان تركنا تونس، جئت مع والدتي وزهوة لزيارة شقيقي، واعجبت بهذا البلد الشرقي الطابع، العربي الهوا، وزهوت احبت الحياة في هذا البلد الصغير المضياف في كنف العائلة.



* زهوة تشبه والدها، فهل ورثت طباعه ايضا؟

** هي مثله في عنادها واحساسها، وحبها للموسيقى، وهي ايضا دؤوبة وتهتم بالتفاصيل.



* ما هي وصية ابو عمار لزهوة؟

** كان يوصيها دوما بالقضية الفلسطينية ويحدثها عنها، يحدثها عن اطفال فلسطين، يوصيها بقراءة القرآن وتعلم اللغة العربية. وهل تنفذ وصية الوالد؟



زهوة مؤمنة ولقد زارت مكة المكرمة معي وادت فريضة العمرة، وهي تقرأ وتكتب وتتحدث اللغة العربية بطلاقة، وكأي فتاة فلسطينية، تتابع اخبار فلسطين، خلال حرب غزة جمعت المال من اصدقائها، وبعثت بالمساعدات لاطفال غزة.



وانا من جهتي اردد على مسمعها دوما مسيرة حياة والدها، واقول لها ان والدها كان يردد دوما ما اوصاني به في اخر ايامه، ان الثوابت لا يمكن التخلي عنها، القدس واللاجئين.. كان يقول لي، قولي لزهوة.. :«يا سهى ان اسرائيل لا تريد السلام وهذا صراع الاجيال، وانا بعيد عنها لانني لا اريد ان تقول زهوة ورفاق جيلها انني تخليت عن الثوابت، وخنت القضية، انا اعلم ان التاريخ سينصفني"



* وكيف كانت علاقة زهوة بوالدها؟

** كانت علاقة حلوة وعاطفية جدا، خاصة وان مشاغله كانت تأخذه، كانت تنام بيننا في الكثير من الاوقات، وكان عندما يدخل المنزل يقول اين امي، يعني ابنته زهوة التي تحمل اسم والدته، كان يصر على اطعامها العسل، علمها استعمال المسدس، والصلاة معه، كان يفخر انها تشبه والدته، يقول: «هي بيضاء اللون وجسمها نحيل وطويل مثل عائلتك يا سهى ولكن ملامحها تشبه والدتي». وعندما تركنا غزة كان يحاول التحدث معها يوميا عبر الهاتف اينما كان.



* هل تتحدث زهوة كثيرا عن والدها؟

** لا تتحدث عنه امام الناس، ولكنها تمطرني بالاسئلة عنه، تقرأ عنه بالكتب وعلى صفحات الانترنت، ويؤلمها مشاهدة احداث فلسطين علي شاشات التلفزيون، حين تشاهد صوره على الجدران ومحمولة من قبل ابناء شعبه.



* وهل تطلب العودة الى فلسطين؟

** نعم، ولكنها تخاف من الحرب، وامل ان نعود انا وزهوة لنعيش بين اهلنا في القدس الشريف بعد ان تنقل جثمان ابو عمار من المقاطعة حيث يرقد، فهذه كانت وصيته.



* اذكر في حوار لي معك العام 1997 قولك لي اذا غاب ابو عمار فستكون هناك حرب مدمرة بين الفلسطينيين انفسهم، لانهم سيجدون صعوبة في ان يتقبلوا بديلا عن ابو عمار، فهل كان هذا رأيه هو؟

** لا، لم يقل لي ابو عمار هذا، ولكنني اعلم ان هذا ما كان يخشاه، انا حزينة جدا وقلقة الى ابعد الحدود من حالة الفرقة والحقد والانقسام الفلسطيني اصلي دائما لعودة اللحمة بين ابناء الشعب الواحد. ومن دون الوحدة ستضيع القضية.



* طالما كنت تتحدثين في الامور السياسية، واليوم تبدين بعيدة عنها لماذا؟

** انا متابعة للشؤون السياسية الفلسطينية لحظة بلحظة، ولكنني همي الاول اليوم هو تربية زهوة وتعويضها حنان الاب، وهي اليوم في سن تحتاج فيه لكل رعايتي وحناني، كما انني اتابع العديد من القضايا الانسانية، وأحاول تقديم المساعدة لأبناء شعبنا بكل الوسائل المتاحة لي. والمرأة الفلسطينية كانت دوما وما زالت جزءا هاما من وطنها، فهي الفدائية، والشهيدة والوزيرة والمزارعة.


سهى وابنتها زهوة



سهى وابنتها زهوة


* خلال وجودك في غزة أسست جمعيات خيرية عديدة تعليمية وطبية وغيرها، هل انت قادرة اليوم على ادارة هذه الجمعيات من مالطا؟

** لقد دمرت حروب إسرائيل الكثير مما بنينا ومساعداتي اليوم تتم عن طريق مديرة مكتبي نادية واجد هذه طريقة فعالة جدا.



* هل أنت من هواة القراءة ام التلفزيون؟

** انا قارئة نهمة، أقرأ الصحف على الانترنت فمعظمها لا يصل إلى مالطا، احب قراءة كتب التاريخ والسياسة والشعر الى جانب سريري كتب لشعراء أحبهم، ابرزهم الشاعر والاديب الدكتور غازي القصيبي، كتابه "شقة الحرية" قرأته ثلاث مرات وأشاهد البرامج التلفزيونية الإخبارية.



* قيل الكثير حول حقيقية ما جرى في الأيام الأخيرة من حياة ابو عمار، ما هي الحقيقية؟

** كنت مفعمة بالامل عند وصولنا الى المستشفى، وقد شجعني وساعدني وقوف الشعب الفلسطيني الى جانب زوجي، وكنت ارى العديد من الفلسطينيين والعرب والأجانب خارج المستشفى يصلون له، وكنت أتضرع إلى الله عز وجل ان يعطي ابو عمار القدرة على هزيمة الموت، وهو الذي هزمه مرات عديدة.



وعند دخوله الغيبوبة التي بقي فيها 15 يوما، استنجدت بالاطباء متعلقة بخيوط الامل، فقالوا لي، كرري على مسمعه ما يحب ان يسمعه او ما يكرهه. وهكذا كنت اسمعه ومن معه في جناح غرفة العناية الفائقة آيات من القرآن الكريم وصلوات التراويح وخاصة سورتي ياسين والبقرة بصوت الشيخ بعد الباسط عبد الصمد. وكنت اقول له: «قم يا ابو عمار، الا تريد ان ترى زهوة عروسا. قم يا ابو عمار لتهزم عدوك شارون» ولكن ارادة الله ومشيئته كانت ان يرحل ابو عمار في ليلة القدر يوم 27 رمضان الى جنة الخلد انشاء الله.



* واخر حوار لك مع ابو عمار؟

** في اخر ايامه كان يتحدث عن والدته والقدس كثيرا، وتذكرت اخر ايام والدي الذي كان يتحدث ايضا عن والدته، وقبل دخوله الغيبوبة طلب مني انا ومدير مكتبه الوفي رمزي خوري والذي كان الى جانبه حين توفي، الاتصال بوزير المالي حينها، الدكتور سلام فياض، والذي يكن له كل احترام ومحبة، خاصة وان الدكتور فياض لم يقبل ان يترك ابوعمار خلال حصاره في المقاطعة، بل تحمل نفس الظروف وعندما اتصلنا بالدكتور فياض، تحدث معه ابو عمار قائلا: "يا حبيبي يا ابو خالد، لازم تدفع المعاشات للموظفين فنحن في الايام العشرة الأخيرة لرمضان، ولا تنسى اللاجئين في المخيمات اللبنانية دول أهلي وحبايبي" كان هذا آخر حوار لابو عمار مع مسئول فلسطيني، وقد تحدث وابو عمار يقارب الغيبوبة الدائمة.

No comments:

Post a Comment