صور وقصة الجاسوسة المصرية هبة سليم

الجاسوس ابراهيم سعيد


بأى ثمن من الممكن أن نبيع به الوطن ؟ وبأى دافع يدفع الانسان الى التجرد عن أرضه وعرضه ؟ وباى ثمن من الممكن أن يستبيح الانسان دماء الشهداء ورفات أسلافه ؟

كل تلك تساؤلات تدفعنا الى كثير من الدهشة ووضع العديد من علامات الاستفهام ودائرة سوداء حول تلك الاشخاص الذين باعوا انفسهم للشيطان وللعدو ، للتخابر على وطنه ، والغوض فى أذيال الرزيلة والفحشاء .

هل الدافع الوحيد فى ذلك هو المال ؟ أم الجنس أم الرفاهية والتطلع الى حياة اللهو والرغد ، هما ما يدفعان الانسان الى تلك الفعلة ، أم أن الخيانة هى عنصر أصيل فى تكوين الشخص ، ينمو معه ويكبر ويستفحل ، الى أن يئن معلنا خروجه ، الذى طالما اشتاق الى ممارسة الخيانة .

لابد من هذا السبب فى تكوين الخيانة فى دماء وعروق هؤلاء الخونة ، اللذين باعو الدم والارض ، بأبخس الاثمان .

وان كان فشلت معظم مكائدهم وصارو عبرة وخلدت أسمائهم أبدا فى دائرة الخيانة ، واصمين جبهتم بخيبة العار أبد الدهر .

لكن علينا اولا أن نفرق ما بين المخابرات والتخابر ، حيث أن المخابرات هى علم مدرس ومنهج تتبعه كل دول العالم ويتعتبر عملا مشروعا تماما لحفظ سيادة الدول وحفظ أمنها من الاختراق والتدخل فى أوقات السلم قبل الحرب .

لكن ما بدا غير مشروع هو التخابر مع دول أخرى أجنبية فى السر ، فهنا يصبح عالم المخابرات والتخابر غير مشروع ، اذ لم يتم بعلم الدولة أو بتكليف منها ، ويعاقب عليها فى هذه الحالة بعقوبة رادعة وهى الإعدام .

ولقد مرت مصر على اختلاف الفترات من التدخل وزرع جواسيس لها فى الداخل فى أوقات السلم والحرب ، فقبل حرب أكتوبر المجيدة وتحرير أراض سيناء الغالية ، كانت قد زرعت المخابرات الاسرائيلية العديد من الجواسيس فى القاهرة ، من الخونة المصريين أصحاب النفوس الضعيفة ومن محبى المال والشهوات والرذيلة .

ليمدونهم بكل ما يحتاجونه من معلومات عن الحالة الاقتصادية والبضائع ، ومعلومات عن الأسلحة والمطارات والموانئ وما غير ذلك من معلومات .

وبفضل رجال المخابرات المصرية إستطاعت أن تكشف العديد من الجواسيس واسقاطهم فى فخ القبض عليهم وتقديمهم الى محاكمات رادعة ، بعد أن ألمت بكل الخيوط والاستفادة من تعاملهم مع الموساد لإيقاعهم فى الفخ جميعا .



وقبل أيام قليلة وسوف تحل علينا ذكرى ثورة 23 يوليو ، تلك الثورة التى قامت من أجل الشعب وتطهير أرض مصر من الاحتلال البريطانى والتدخل فى السيادة المصرية ، ومن أجل أن يعيش شعب مصر أحرار ، قام مجموعة من الشرفاء بالثورة ضد الظلم ، فخرج مجموعة من الظباط الاحرار على رأسهم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، معلنا جمهورية مصر العربية وسقوط الملكية .


فنود أن نذكر المصريين بشرفائهم وكذا بالخونة الذين باعوا أنفسهم ووطنهم ، لكن مصر ظلت أبيه برجالها الشرفاء ، وأصبحت مصر مقبرة للغزاة والخونة .

فها هى بعض من قصص الخونة وحكياتهم ، حكايات حقيقية من ملفات المخابرات العامة المصرية لتكن عبرة وعظة لكل من تسول له نفسه للتفريط فى حق مصر .

الجاسوسية ومن باع وطنه !؟
كان لإسرائيل العديد من الجواسيس فى مصر قبل حرب اكتوبر وكانت تعليمات المخابرات الاسرائيلية لعملائها تركز على القوات المسلحة المصرية ... وعلى الموقف العسكرى بنشاطه وتحركاته ... على ملاحظة بعض المناطق الاستراتيجة كميناء الاسكندرية والطرق الزراعية وطريق مصر – اسكندرية .

ففى نكسة 1967 وبعدها ، كان للجواسيس أثر كبير فى تدمير العديد من المطارات السرية التى كانت مصر تخبئ بها الطائرات وحاملات الصواريخ .

فخ الجواسيس

بنت جولدا مائير المدللة التى بكت يوم إعدامها وقالت انها قدمت لإسرائيل أكثر مما قدما قادتها ...



هبة عبد الرحمن سليم عامر ... الجاسوسة التى عملت لصالح اسرائيل سنوات عديدة قدمت من خلالها معلومات سرية هامة وهى وخطيبها المجند . فاروق عبد الحميد الفقى الذى كان يعمل ظابطا فى مواقع الصواريخ الحربية السرية .


نشأت هبه فى حى راقى من أحياء القاهرة المهندسين وسط جو عائلى ومادى مرتفع ، كانت من رواد نادى الجزيرة فى وسط شبابي لا يشغل عقله وقتها سوى أحاديث الأزياء والموضة والسيارات ، برغم هزيمة 1967 الفادحة والمؤلمة للجميع .

عندما حصلت على الثانوية العامة سافرت إلى باريس لإكمال تعليمها الجامعي.

تجنيدها

كانت هبة ناقمة على مصر ونكسة 67 ، فغياب النزعة الوطنية كانت أولى عوامل سقوطها فى الهاوية ، وهى الجاسوسية ففتحت لها الطريق من أوسع الأبوب ، فعندما ذهب للدراسة فى الخارج ، جمعت بها الصدفة بمدرجات الجامعة بفتاة يهودية من أصول بولندية وأعطتها زميلتها البولندية فكرة عن الحياة في إسرائيل وأنهم ليسوا وحوشا وأنهم يكرهون الحرب وأنهم يريدون فقط الدفاع عن مستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة ويريدون الإمان، وتم تجنيدها لصالح المخابرات الإسرائيلية.


وفي أول أجازة لها بمصر كانت مهمتها الأساسية تنحصر في تجنيد فاروق الفقي الذي كان يلاحقها ووافقت علي خطوبته وبدأت تسأله عن مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا.

كانت ترسل كل المعلومات الي باريس واستطاعت تجنيده ليصير عميلاً للموساد وتمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية بها منصات الصواريخ "سام 6" المضادة للطائرات.


القبض عليها

لاحظت أجهزت المخابرات أن مواقع الصواريخ الجديد تدمر أولاً بأول بواسطة الطيران الإسرائيلي. تمكنت المخابرات المصرية من كشفهما وفي سرية تامة قدم سريعاً للمحاكمة العسكرية التي أدانته بالإعدام رمياً بالرصاص لكنهم ارادوا أن يستفيدوا منه وأن يستمر في نشاطه كالمعتاد خاصة وأن هبة لم تعرف بأمر القبض عليه.

تم إرسال الرسائل بواسطة جهاز اللاسلكي الذي أحضرته له الفتاة ودربته عليه. وكانت المعلومات التي ترسل غير صحيحة. استمر الاتصال معها بعد القبض عليه لمدة شهرين، ثم تقرر استدراج الفتاة إلى القاهرة بهدوء كي لا تهرب إلى إسرائيل إذا ما اكتشف أمر خطيبها المعتقل. وضعت خطة القبض على هبة وتم استدراجها لمصر بعد أن أرسل لها والدها برقية تفيد بأنة مريض ويريد رؤيتها في ليبيا التي كان يعمل بها.

ركبت الفتاة الطائرة الليبية في اليوم التالي إلى طرابلس. وعلى سلم الطائرة عندما نزلت هبة عدة درجات كان الضابطان المصريان في انتظارها، وصحباها إلى حيث تقف الطائرة المصرية على بعد عدة أمتار من الطائرة الليبية.

إعدامها

حكم عليها بالإعدام شنقاً وعندما وصل هنري كيسنجر لمقابلة الرئيس السادات بعد حرب أكتوبر حملته جولدا مائير رسالة إلى السادات ترجوه تخفيف الحكم ولكن السادات قال انها أعدمت في اليوم نفسه. تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في هبة سليم في اليوم نفسه في أحد سجون القاهرة.

بكت جولدا مائير حزناً على مصير هبة التي وصفتها بأنها "قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماء إسرائيل" وتم تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في الضابط الخائن. وقام قائده بتنفيذ حكم الاعدام.


إبراهيم سعيد شاهين وإنشراح موسي

الجاسوسية عندما تكتمل فى ملحمة مكونة من الاب والأم وثلاثة أبناء !

إبراهيم سعيد شاهين وإنشراح موسى، وبدأت وقائعها في العريش عقب الاحتلال الإسرائيلي لسيناء في يونيو (حزيران) 1967.

تأتي القصة في مقدمة قصص الجاسوسية أب وأم وثلاثة أبناء عاشوا على أرض مصر ليكرسوا جهودهم لخدمة إسرائيل ، في الوقت الذى كانت فيه اسرائيل تحتل سيناء وتقتل الأسرى ويدمّر طيرانها المدارس فوق رؤوس الأطفال ، تجردت الزوجة من المشاعر الإنسانية ، وفرّطت في وطنها وشرفها، ثم تخلت عن دينها الإسلامي واعتنقت اليهودية.

كانت قصة تلك العائلة واحدة من أقبح قصص التجسّس الإسرائيلي في مصر، وعرض مسلسل باسم السقوط في بئر سبع جانبًا كبيرًا منها


البداية

انشراح فتاة صعيدية من المنيا ولدت عام 1937، لأسرة متوسطة الحال. واصلت تعليمها حتى حصلت على الشهادة الإعدادية عام 1951، فأصبحت محط أنظار كل شباب المنيا، لكن قدرها اتجه بها إلى القاهرة، فعقب نجاحها أراد والدها أن يكافئها فصحبها معه إلى القاهرة لحضور زفاف أحد أقاربهم، حيث كان ينتظرها نصيبها.

هو شاب من مدينة العريش من مواليد عام 1929 يدعى إبراهيم سعيد شاهين (من أب مصري وأم فلسطينية من مدينة غزة)، لم يغادر الحفلة قبل أن يعرف عنها كل شيء، وبعد أيام قليلة كان يقف على باب منزلها في المنيا، وعلى رغم معارضة والدتها لبعد المسافة بين المنيا والعريش، إلا أن انشراح تمسكت به ورأت فيه فتى أحلامها، وخلال مدة قصيرة كانت زفت إليه وانتقلت للعيش معه في مدينة العريش.

كان إبراهيم يعمل فى بداية حياته موظف حسابات في مديرية العريش، وبعد قليل رزقا بمولودهما الأول نبيل عام 1955، ومن بعده محمد عام 1956، ثم عادل عام 1958 .

عام 1963 اتفقا على إرسال الأولاد إلى عمهم في القاهرة، ليواصلوا دراستهم هناك، ويبتعدوا عن حياة البداوة التي يتسم بها المجتمع العريشي، وبعد ثلاث سنوات وتحديدا عام 1966 ضُبط إبراهيم يتلقى رشوة، فأحيل إلى المحاكمة وسجن ثلاثة أشهر، ولما خرج واجهته الحياة بوجهها القبيح والقاسي، وعاش أيامًا عجافا.

النكسة ومناخ مناسب للسقوط فى فخ الخيانة

جاءت نكسة يونيو 1967، واحتلت إسرائيل سيناء وسدت الطرق أمام سفر إبراهيم وزوجته إلى القاهرة، وانقطع الأمل في رؤية أولادهما، وراحت انشراح تبكي قسوة الأيام وبعد الأولاد، وأصبح إبراهيم عاجزا عن شراء أبسط الأمور الضرورية للمعيشة، فعجز مثلا عن شراء الشاي وهو من الضروريات المهمة عند البدوي، واستعاض عنه بعشب بربري يعرف باسم المرمرية، واستسلما لواقعهما الجديد والمرير.

وسط ذلك المناخ، كانت المخابرات الإسرائيلية تعمل بنشاط زائد في مناطق سيناء المأهولة بالسكان، وتسعى لاصطياد العملاء الذين يقعون في شباكها بسبب حالة الحصار والجوع التي يعاني منها الكل.

ضاقت أرض سيناء الرحبة على سكانها، فقد وضعت سلطات الاحتلال قيودًا على حركتهم، ومنعت الانتقال من مدينة إلى أخرى إلا بتصريح من الحاكم العسكري الإسرائيلي لسيناء، وبدأت أسر كثيرة تعاني الجوع والحاجة، وسادت حالة من المرارة تجرّعها الجميع، لكنهم تحلوا بالصبر وأيقنوا أن ما تم هو حالة موقتة وحتمًا ستزول.



ابراهيم واللجوء الى مكتب الحاكم العسكرى الإسرائيلى

لم يتمالك ابراهيم سعيد نفسه من الجوع وبكاء زوجته لرؤية أولادها المحتجزين فى القاهرة ، فذهب الى مكتب الحاكم الاسرائيلى يطلب
منه تصريحا له ولزوجته بالسفر إلى القاهرة.


كيس دقيق وشاى وبعض من السكر ... كانت اللبنة الأولى


ظل أيامًا عدة يتردد على مكتب الحاكم العسكري وهم يماطلونه في استخراج تصريح السفر إلى القاهرة، إلى أن صرخ في وجه أحد الضباط بأنه فقد عمله ودخله ولا يوجد في منزله رغيف خبز، فطمأنه الضابط وكان يكنّى «أبو نعيم»، ووعده بالنظر في أمر التصريح في أقرب وقت، ودار بينهما حديث غير قصير، انتهى بأن عطف أبو نعيم على إبراهيم وأعطاه كيس دقيق وبعض أكياس الشاي والسكر، فحملها فرحا إلى زوجته وهو يزف إليها قرب انتهاء التصريح بالسفر إلى القاهرة.

مرت أيام وإبراهيم يذهب كل يوم إلى أبو نعيم كي يفي بوعده، لكن لم ير أية بادرة أمل في إمكان سفرهما إلى القاهرة، ولولا كيس الدقيق الذي أخذه لمات جوعًا هو وزوجته. وفقد إبراهيم تقريبًا الأمل في السفر.



السفر ولكن بشروط !!!

كان ثمن السفر الى القاهرة لرؤية أولاده كان هو إحضار أسعار الفاكهة والخضار بالقاهرة ، وكذلك الحالة الإقتصادية للبلد بواسطة أخيك الذي يعمل بالاستيراد والتصدير.


إبراهيم سعيد معلقاً ... هذا شرط بسيط خالص

كان تعليق ابراهيم سعيد على هذا الطلب قوله بانه " شرط بسيط خالص " ، وانه بإمكانه القيام بذلك على خير وجه، وقال إنه سيأتيهم بأسعار الخضار والفاكهة والسلع الاستهلاكية كلها والسمك أيضا، ولو طلبوا أكثر من ذلك لفعل، وكانت استجابة إبراهيم السريعة بمثابة اجتياز للاختبار الأول .


أبو يعقوب

في اليوم التالي توقفت سيارة جيب عسكرية أمام منزل إبراهيم، وطلب منه جندي مرافقته إلى مكتب الأمن، حيث كان ينتظره ضابط يدعى أبو يعقوب، بالغ في الترحيب به بدعوى أن أبو نعيم أوصاه به، فشكره إبراهيم وأثنى كثيرا على أبو نعيم، وامتد الحوار بينهما وقتا طويلا، استشف أبو يعقوب من خلاله حاسته المخابراتية أن إبراهيم يدرك ما يبتغيه منه، فطلب منه أن يذهب إلى بئر سبع، حيث مكتب الأمن الرئيس المختص بالتعامل مع أبناء سيناء.

هناك استضافه الإسرائيليون وأكرموه، ولوحوا له بإغراءات ما كان يحلم بها، نظير تعاونه معهم في جمع معلومات عن مصر، وسلموه دفعة أولى مبلغ ألف دولار وهو الذي لم يكن يملك ثمن علبة سجائر، ووعدوه بتأمين حياته هو وذويه في العريش.


هكذا تحوّل إبراهيم في بئر سبع من مواطن ذهب للحصول على تصريح بالسفر، إلى جاسوس وقّع صك الخيانة ضد بلده وباع نفسه للشيطان.


دورة تدريبية متخصصة


خضع الجاسوس الجديد، مثلما هو متّبع، لدورة تدريبية مكثفة، تعلم فيها الكتابة بالحبر السري وتظهير الرسائل ووسائل جمع المعلومات من الأهل والأصدقاء، وتدرب أيضا على كيفية التفريق بين الطائرات والأسلحة المختلفة.

كما تدرب أيضا على كيفية بث الشائعات وإطلاق النكات الساخرة من الجيش والقادة، إلى جانب الاحتراز وامتلاك الحس الأمني، ولقّنوه شكل الاستجواب الذي سيتعرض له من قبل الأمن المصري حين وصوله إلى القاهرة، وكيف ستكون إجاباته التي لا تثير أية شكوى.

الزوج : الأ يعد ذلك خيانة ؟ الزوجة : لأ لأ مستحيل

وعندما عاد ابراهيم إلى منزله محملا بالهدايا ، ولما سألته زوجته عن مصدرها قال لها بكل جرأة إنه أرشد عن مخبأ فدائي مصري فكافأه الإسرائيليون بألف دولار، ووعدوه بمنحه التصريح خلال أيام، فعانقته بكل سرور، وقالت له: «كانوا سيمسكونه عاجلا أم آجلا»، ولما سألها: «ألا يعد ذلك خيانة؟»، قالت بلهجة استنكارية: «لا لا مستحيل تكون خيانة، كان غيرك سيبلغ ويأخذ الألف دولار، أنت فعلت الصح».


كان تعليق انشراح أنها كي لا تكون خائفة عليه يجب أن يطلعها على رسائله أولا بأول، وأن تشطب هي أية معلومات ترى أنه لا داعي لإرسالها، فاتفقا على ذلك، وكان ذلك تعبيرا عن رغبتها في أن تكون شريكته.

السفر إلى تل أبيب

في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1967 وصل إبراهيم وانشراح إلى القاهرة بواسطة الصليب الأحمر الدولي، فمنحته الحكومة سكنا مجانيا موقتا بحي المطرية، ثم أعيد إلى وظيفته بعدما نقلت محافظة سيناء مكاتبها من العريش إلى القاهرة، وبعدما استقرت الأمور به قليلا، انتقل إلى حي الأميرية، ومن خلال المحيطين به في السكن والعمل بدأ إبراهيم في جمع المعلومات وتصنيفها، وكانت زوجته تساعده في كتابة رسائله بالحبر السري، وتكتب بالخطابات أنها شريكته في كل صغيرة وكبيرة، وكان بدوره يختم كل رسائله بعبارة «تحيا إسرائيل العظمى»!

بدأ إبراهيم يبحث عن غطاء للرخاء الذي ينعم به، فاتجه إلى تجارة الملابس والأدوات الكهربائية، وبواسطة المال والهدايا كان يتغيب كثيرا عن عمله من دون لومة لائم، وكانت رسائله لمكتب الموساد في روما لا تنقطع، مما حدا رجال الموساد على دعوته وزوجته إلى روما لاستثمارهما في مهام أكثر أهمية.

في أغسطس (آب) 1968، وتحت ستار التجارة، أبحر إبراهيم وزوجته على لبنان، ومنها طارا إلى روما حيث التقيا بمندوب الموساد، الذي سلمهما وثيقتي سفر إسرائيليتين باسم «موسى عمر» و{دينا عمر»، وعلى طائرة العال الإسرائيلية طار الخائن وزوجته إلى تل أبيب حيث كان وفد من ضباط الموساد في استقبالهما بمطار اللد.

استُقبل الاثنان بحفاوة بالغة، شأن استقبال الموساد لعملائهم كلهم، وعوملا معاملة كبار الزوار، ونزلا في فيلا رائعة في تل أبيب لمدة ثمانية أيام، حصلا خلالها على دورة مكثفة في تحديد أنواع الطائرات والأسلحة والتصوير الضوئي وجمع المعلومات، ومنح إبراهيم رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي باسم «موسى»، أما انشراح فقد منحت رتبة ملازم أول باسم «دينا».

في مقابلة مع أحد القيادات العليا في الموساد، طلبت انشراح زيادة مخصصاتهما وأكدت صعوبة الدور الذي يقومان به في سبيل جمع المعلومات وتصنيفها، ونظرا إلى أهمية المعلومات التي حصل الموساد عليها منهما، تقرر لهما مكافأة سخية.

عادا من رحلتهما بآلاف الدولارات، وزاد نشاطهما في عمل العلاقات وجمع المعلومات، وإرسال كل جديد أولا بأول للموساد، وكانت مصر وقتها تخوض حرب الاستنزاف، والطيران الإسرائيلي يصل إلى عمق البلاد ويضرب الأهداف والمنشآت المدنية، فكان إبراهيم وزوجته يدوران ويصوّران المنشآت والمصانع ويرسلان الصور مع خريطة تفصيلية للمكان بمساعدة السيارة الجديدة التي اشتراها بأموال الموساد.


حوار مع عادل نشرته صحيفة معاريف الاسرائيلية 1977



عام 1997 نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية حوارا مع عادل ابنهما الأصغر، قال فيه: لن أنسى ذلك اليوم الملعون من صيف عام 1969 طيلة حياتي، فقد استيقظت مبكرا على صوت همسات تنبعث من حجرة نوم والدي، كان أبي وأمي مستغرقين في نقاش غريب، وكانت أمي تمسك في يدها حقيبة جلدية، بينما كان أبي يحاول إدخال آلة تصوير إلى داخلها، لم أر مثلها من قبل في ذلك الحين، وكانت أمي في غاية العصبية، وتقول له: لا ليس كذلك... سيرون الكاميرا، فأخرج أبي الكاميرا وأدخلها مرات ومرات في الحقيبة، فجلست أنظر إليهما وهما يتناقشان، ثم قال لي أبي: «نحن ذاهبون في رحلة إلى الإسكندرية»، وكان الوالد والوالدة في غاية القلق، ولم أرهما سابقا متوترين هكذا، وبدأنا رحلتنا بالسيارة، وكان أبي يتصبب عرقا كلما ابتعدنا عن القاهرة، إلى أن بلل العرق قميصه تماما، وكان يتبادل الكلمات مع أمي بصعوبة، وصمتنا نحن أيضا لشعورنا بأن تلك الرحلة ليست ككل رحلة.

في تلك الفترة كانت هناك قواعد عسكرية ومصانع حربية منتشرة حول الطرق الرئيسة في مصر، فلم تخف الدولة شيئا ربما كنوع من استعراض القوة، وعندما بدأنا في الاقتراب من إحدى القواعد العسكرية أخرجت أمي آلة التصوير وأمرها أبي قائلا: «صوري، يللا صوري بسرعة»، فقالت له وأصابعها ترتعش «سنذهب إلى الجحيم بسببك».

حركت أمي السترة المعلقة على النافذة وبدأت التصوير، وامتلأت السيارة الصغيرة بصرخاتها الممزوجة بالخوف، فأجابها أبي باللهجة نفسها: «إنها نهايتنا...»، واستمرت أمي في احتجاجاتها قائلة: «سنذهب إلى السجن»، وفي النهاية نظر إليها أبي بعيون متوسلة: «صور عدة أخرى... صور عدة أخرى فحسب».

حاول شقيقي محمد أن يسأل: «ما الذي يحدث؟»، لكن الرد الذي تلقاه كان «أسكت»، فلم نسأل أية أسئلة أخرى بعد ذلك، وعدنا إلى البيت في ذلك اليوم، وفورا أغلق أبي باب حجرته على نفسه، وبعد فترة طويلة خرج وعانق أمي وقال لها: «يا حبيبتي لقد التقطت صوراً رائعة للغاية»، وقالت أمي: «إلى هنا يجب أن نشرح الأمر للأولاد»، وكنا ما زلنا في صدمة وغير مدركين لما يحدث.

تحولت الرحلات الأسرية في أنحاء مصر إلى روتين، فكنا نخرج في نهاية كل أسبوع إلى مدينة جديدة... وكنا نسافر إلى الأقصر وأسوان.. ليس من مكان لم نذهب إليه، وأحيانا كان أبي يحصل على إجازة وسط الأسبوع ونسافر لأيام عدة، وكان يصوّر قواعد ومنشآت عسكرية في مصر، ويسجل عدد الكيلومترات في الطريق، وبذلك يحدد موقع المصانع والقواعد العسكرية... وكنا نحن الأولاد أفضل تغطية.

بداية النهاية

تصادف أن سافرت انشراح وحدها إلى روما يوم 5 أكتوبر وقابلها أبو يعقوب يوم 7 أكتوبر وأمطرها بسيل من الأسئلة عن الحرب وأتضح أنها لا تعرف شيئا. أخبرها أبو يعقوب إن الجيش المصري والسوري هجما على إسرائيل وان المصريين عبروا القناة وحطموا خط بارليف، وأمرها بالعودة فورا إلى مصر.

قي بداية عام 1974 سافر إبراهيم إلى تركيا ومنها إلى اليونان ثم إلى تل أبيب وحضر اجتماعا خاصا على مستوى عال مع قيادات المخابرات الإسرائيلية الجديدة بعد أن أطاحت حرب أكتوبر بالقيادات السابقة. خضع إبراهيم للاستجواب حول عدم تمكنه من معرفة ميعاد الحرب وأجاب إبراهيم انه لم يلحظ شيئا غير عادي بل أن قريبا له بالجيش المصري كان يستعد للسفر للعمرة، وانه حتى لو كان يعلم بالميعاد فليس لدية أجهزة حديثة لإرسال مثل تلك المعلومات الهامة.

استضاف نائب مدير المخابرات الإسرائيلية إبراهيم وابلغه بأنه سيتم منحه جهاز إرسال متطور ثمنه 200 ألف دولار وهو أحدث جهاز إرسال في العالم ملحق به حاسوب صغير في حجم اليد له أزرار إرسال على موجه محددة واخبره كذلك أن راتبه الشهري قد تم رفعة إلى ألف دولار إضافة إلى مكافأة مليون دولار في حالة أخبارهم عن موعد الحرب القادمة التي ستشنها مصر بواسطة الفريق سعد الشاذلي!.

قامت المخابرات الإسرائيلية بتوصيل الجهاز المتطور بنفسها إلى مصر خشية تعرض إبراهيم للتفتيش، وقامت زوجته بالحصول على الجهاز من المكان المتفق علية عند الكيلو 108 طريق السويس وهى المنطقة التي تعرضت لثغرة الدفرسوار.

بمجرد وصول انشراح للقاهرة اعدوا رسالة تجريبية ولكنهم اكتشفوا عطلا في مفتاح الجهاز وبعد فشل إبراهيم في إصلاحه توجهت انشراح إلى تل أبيب للحصول على مفتاح جديد. لم يدر بخلد انشراح أن المخابرات المصرية التقطت رسالة لها عبر جهاز روسي حديث يسمى "صائد الموجات" وذلك أثناء تدريبها وتجربتها للجهاز الجديد.

أيقن رجال المخابرات المصرية أنهم بصدد الإمساك بصيد جديد، ووضع منزل إبراهيم تحت المراقبة وتم اعتقاله صباح 5 أغسطس 1974 مع ولديه وانتظارا لوصول انشراح من تل أبيب أقام رجال المخابرات المصرية بمنزل إبراهيم لثلاثة أسابيع كاملة، وبمجرد وصولها استقبلها رجال المخابرات المصرية وزج بهم جميعا إلى السجن. كانت المخابرات الإسرائيلية قد بثت رسائل بعد عودة انشراح من إسرائيل واستقبلها رجال المخابرات المصرية على الجهاز الإسرائيلي بعد أن ركبوا المفاتيح، ووصل الرد من مصر.

" أن المقدم إبراهيم شاهين والملازم أول انشراح سقطا بين أيدينا.. ونشكركم على إرسال المفاتيح الخاصة بالجهاز.. كنا في انتظار وصولها منذ تسلم إبراهيم جهازكم المتطور. تحياتنا إلى السيد إيلي زئيرا مدير مخابراتكم"


إنشراح لم تعدم ... وتعيش بوسط إسرائيل !

عندما تمت محاكمة الخونة بتهمة التجسس والتخابر لصالح إسرائيل ، أصدرت المحكمة حكما بإعدام كلا من ابراهيم وانشراح ، بينما حكم على ابنهما الأكبر نبيل بالأشغال الشاقة وأودع الولدان محمد وعادل بإصلاحية الأحداث نظرا لصغر سنهما، ونفذ حكم الإعدام في إبراهيم شاهين شنقا، بينما تم الإفراج عن انشراح وابنها بعد ثلاث سنوات من السجن في عملية تبادل للأسرى مع بعض أبطال حرب أكتوبر.


دينا بن دافيد ,,, وحمامات إسرائيل


نشرت صحيفة يدعوت احرونوت عام 1989 موضوعا عن انشراح وأولادها قالت فيه: أن انشراح شاهين (دينا بن دافيد) تقيم الآن مع اثنين من أبنائها بوسط إسرائيل وهما محمد وعادل بعد أن اتخذت لهما أسماء عبرية هي حاييم ورافي أما الابن الأكبر نبيل فقد غير اسمه إلى يوشي.

وتقول الصحيفة أن دينا بن دافيد تعمل عاملة في دورة مياه للسيدات في مدينة حيفا وفى أوقات الفراغ تحلم بالعودة للعمل كجاسوسة لإسرائيل في مصر!، بينما يعمل ابنها حاييم كحارس ليلي بأحد المصانع، أما الابن الأكبر فلم يحتمل الحياة في إسرائيل وهاجر هو وزوجته اليهودية إلى كندا حيث يعمل هو وزوجته بمحل لغسل وتنظيف الملابس.



رجب عبد المعطي . .اسمه سيظل دائماً بقائمة الخونة


كمثل باقى البشر ولد رجب عبد المعطى ، طفل صغير فى المهد ، لاتزال عيناه مغمضة ,, لكن عقله وقلبه الصغير كان ينبض بالخيانة...


ولد رجب عبد المعطى فى محافظة الأسكندرية فى حى القبارى ، وعلى الرغم من أن رجب هذا ولد فى حى شعبى ، الا وانه نبت نبتا طريا كما يقال ، فقد اعتاد على الاكل بملعقة ذهب منذ نعومة أظافره ، فى الوقت الذى كانت تعيش فيه اغلب الاسر المصرية فى مستوى مادى محدود ، كذلك تحت ظروف الحرب مع العدو الأول إسرائيل .


فشل رجب فى التعليم وأخفق إخفاقا ذريعا بسبب وفرة كل أسباب الرغد الذى كان قد وفره له أبويه ، وجعل منه شاباً خنوعاً مدللاً.

اغتر الابن وأوهم نفسه بأن له من العقل ما لم يملكه غيره. . ويستطيع – بدون شهادات – أن يصبح رجل أعمال مشهوراً ينافس عمالقة السوق والميناء . . ووسوس له الشيطان أنه فقط بحاجة الى فرصة يثبت من خلالها أنه عبقري زمانه الملهم.

حاول أبوه الحاج عبد المعطي إفاقة ابنه من سكرة الغرور وإعادته الى طريق الصوات ففشل. إذ سيطرت على رجب عبقرية كاذبة نشأت من فراغ العقل والثقافة. وصار يحلم ليل نهار بشركة رجب للخدمات البحرية.

ولما امتنع والده عن إمداده بالمال اللازم حتى يتحصن بالخبرة .. مضطراً وافق رجب على العمل في وظيفة كاتب حسابات بميناء الاسكندرية . . إرضاء لوالده. واستغرق في عمله الجديد حتى توسعت مداركه واستوعب الكثير من الخبرة بعد الاحتكاك الفعلي في الحياة.

وبعد ثلاث سنوات من العمل في الميناء .. لم ينس حلمه الكبير ففاتح أباه . . وهذه المرة كان عنده إصرار عنيد على ألا يرجع. فلما عارضه والده بشدة غادر المنزل غاضباً.. وتحت ضغوط الأهل والأصدقاء.. رضخ الأب أخيراً أمام رغبة ابنه وأمده بعدة آلاف من الجنيهات وهو على ثقة من فشله وخسارته. وغمره للمرة المليون إحساس بندم شديد لأنه دلل ابنه وفتح له منذ الصغر خزينة أمواله بسحب منها كفيما يشاء. .وتمنى بينه وبين نفسه لو أن الزمن عاد به الى الوراء فيقوم على تربيته بالشكل الصحيح .. وينشئه فتى معتمداً على ذاته فيشب رجلاً يعرف قيمة العلم والقرش .. ويدرك جيداً أن للحياة ألف وجه ووجهاً.. ولكن . .فات الأوان وحسم الأمر . . !!

وكانت النتيجة المؤكدة خسارة جسيمة مُني بها وفشلاً ما بعده فشل .. وديوناً تزاحمت بأرقامها دفاتره.

نكسة 1967 ... وميناء " ييريه "

عم الكساد بسبب نكسة يونيو 67 ، وازدادت معها الأمور سوءاً، فخارت قواه وغرق في ديونه. . وقام بتصفية الشركة وحزم حقائبه ووجد نفسه على ظهر مركب يشق مياه البحر الى ميناء "بيريه" في اليونان.

البداية كانت فى ببنسيون "بروتاجوراس" .

عندما نزح رجب الى اليونان صور له خياله انه سوف يعمل ويحصل على المال السريع والوفير ، ولكنه سرعان ما أخفق ، فلجأ الى ذلك البحار اليونانى الذى طالما جمعته به سهرات الاسكندرية الصاخبة .

كذب عليه " زاكوس " وما كان أمام رجب من طريق إلى الذهاب الى العاصمة " أثينا " حيث الحياة الأكثر مرحا وصخبا .


نزل في بنسيون "زفيروس" جلس يفكر فيما وصل اليه من حال سيئة: لقد مر به شهر تقريباً ولم يعثر على عمل بعد. إنه الآن عاطل ينفق ليعيش. . وعما قريب ستنفذ دراخماته فماذا سيعمل؟ هل ضاقت به الحياة أيضاً في أثينا؟


نصيحة من شاب صعيدى ... والطريق الى السفارة الاسرائيلية !

مئات من المصريين جاءوا الى اليونان يعملون في أي شيء وكل شيء...
وبينما هو يتجول في شارع "سوفوكليس" التقى بشاب مصري من برديس جنوبي سوهاج يعمل في مصنع للعصائر .. عرض عليه أن يعمل معه في قسم التغليف لكنه أبى بشدة أن يعمل بوظيفة تافهة كهذه.. واستعرض له سيرة حياته السابقة في مصر. .

فما كان من الشاب الصعيدي الى أن نصحه بالعودة الى الاسكندرية لكي لا يقع فريسة سهلة في قبضة المخابرات الاسرائيلية. . التي تتصيد الشباب المصري العاطل في اليونان وتغريه بالعمل معها مقابل مبالغ كبيرة. وسخر رجب في داخله من نصيحة الشاب له بالعودة. . فقد كان والده يعاني الأمرين من حجم الديون التي خلفها له ومن مطاردة الدائنين في المتجر كل يوم.

دقات الباب .. وموظف الحسابات !

الشيطان عندما يدق باب القلب والعقل يخيم بسواده على الجوارح ، فرجب إختار الخيانة بملئ إرادته .

بينما دق باب الغرفة التى كان يسكنها فى البنسيون ، ووجه المحاسب المملؤ بالغيظ ، فقد تراكم عليه الحساب ، والمتبقى معه دراخمات قليلة ، فما به والإ وقد إتخذ القرار .

هرب منه النوم واختنق صدره واهتزت أمامه الرؤى وعندما تذكر مقولة الشاب الصعيدي "المخابرات الإسرائيلية تدفع الكثير" قال لنفسه "لن أخسر أكثر مما خسرت" وأمسك بالقلم ليكتب:

السيد المبجل / سفير دولة إسرائيل في أثينا

"أنا موظف مصري أقيم في بنسيون زفيروس. ضاقت بي الدنيا وظلمتني في الاسكندرية وفي أثينا. قال لي البعض إنكم تمدون يد المساعدة لكل من يلجأ إليكم وأنتم الملجأ الأخير لي. فأرجو أن أنال عطفكم واهتمامكم".

رجب عبد المعطي أثينا 27/12/1967

ولم تكد تمر ثلاثة أيام – حتى فوجئ بمندوب من السفارة الإسرائيلية ينتظره في صالة الاستقبال .. فاصطحبه الى السفارة وهناك قابلوه بود وقالوا له:
وصلتنا رسالتك ولم نفهم منها ماذا تريد بالضبط؟

أجاب بصوت يغلفه الرجاء:
أريد أن أعمل في أثينا.

سلمهم جواز سفره وتركوه ثلاث ساعات بمفرده .. ثم جاءوا له باستمارة من عدة صفحات . . تحمل اسم السفارة وشعار دولة إسرائيل .. وطلبوا منه أن يملأها ويكتب سيرة حياته وأسماء أصدقائه وأقاربه ووظائفهم.

وبعدما تبين لهم أنه أمضى ثلاث سنوات في العمل داخل ميناء الاسكندرية. . طلبوا منه أن يكتب تقريراً مفصلاً عن الميناء وأهميته الاقتصادية والعسكرية ففعل.

واستعرض ما لديه من مظاهر "العبقرية" الفذة في شرح كل شيء عن الميناء بتفصيل مطول. . فأذهلتهم المعلومات التي كتبها عن الميناء . . وأدرك ضابط الموساد الذي شرع في استجوابه بأنه وقع على كنز ثمين عليه أن يعمل على استثماره و"حلْب" ما لديه من معلومات.

وفي الحال سددوا حسابات البنسيون كافة ونقلوه الى فندق "أورفيوس".. وأعطوه مائتي دولار أمريكي وتركوه عدة أيام يمر نهاره وهو يغط في سبات عميق . .

وفي الليل يتذوق طعم السهر في حانات وكباريهات أثينا المتحررة . . ويصاحب أجمل فتياتها وداعراتها في شارع "ارستيديس" الشهير. وعندما نفدت نقوده تماماً عاد إليه مندوب السفارة الإسرائيلية ببعض المال ليكمل مسيرة اللهو والسكر.

وحدث ما توقعه وجاءه المندوب بمائتي دولار أخرى. . فاستغرق في مجونه وتمنى لو استطاع أن يفعل أي شيء في سبيل أن يحيا حياة مرفهة في أثينا.


أغرقته المخابرات الاسرائيلية بالمال حتى اطمأن الى رجالها.. وكلما نفدت نقوده ذهب بنفسه لمقابلة أبو ابراهيم في السفارة الاسرائيلية يعرض عليه خدمات مقابل الدولارات التي يأخذها. فيؤجل ضابط الموساد الحديث في هذا الأمر لوقت آخر . . وينصرف رجب بالنقود فيرتع بين الحسان عاريات الظهر والنهود هو بينهن يختال اختيالاً.

ونود أن ننوه أن من الأسلحة التى يرتكز عليها جهاز الموساد فى إغراء الشباب المصرى ، هى النساء والأموال كبدايه للوقوع فى الفخ .

فأجهزة المخابرات ليست بالسذاجة التي تجعلها تنفق الملايين لاصطياد ضعاف النفوس والخونة الذين يسهل شراؤهم بالمال والفساد. . ولذلك أقامت فروعاً لها ومكاتب في الخارج تحمل أسماء شركات وهمية لا نشاط حقيقي لها سوى البحث عن الخونة.

والمخابرات الإسرائيلية – الموساد – تفوقت كثيراً في هذه الأمور. . وأصبحت أكثر أجهزة المخابرات خبرة في استخدام لغة الجسد. . تلك اللغة التي يفهمها الجميع ولا تحتاج الى مترجم أو قواميس تفسر مفرداتها.. ولكن الذي لا يعرفه أحد. . أن الخونة الذين يسقطون في براثن الموساد .. يتحولون في لحظة ما الى مجرد بهائم تدور في الساقية . .


المصيدة

غرق رجب فى الفحشاء إلى أذنيه ، وصار صديق للضباط الاسرائيليين يصادقونه ويأتون الى غرفته الفخمة فى ذلك الفندق الفخيم ، فكان " أبو إبراهيم " ظابط الموساد يتردد عليه فى غرفته ويحدثه كثيرا عن أزمة الشرق الأوسط والوضع المتفجر فى المنطقة بسبب الحروب مع العرب .
، كذلك حقهم في أن يعيشوا فوق أرض الميعاد في سلام وأمان . . وأنهم ليسوا شعباً يحب سفك الدماء بل أمة مشردة ضعيفة تسعى الى العيش في هدوء بلا حروب أو صراعات

لم يدرك رجب عبد المعطي هذه الحقائق بل اندفع بكل ثقله باتجاه المخابرات الاسرائيلية . . على أنهم سينقذونه من شبح الإفلاس الذي تعلق بتلابيبه ولا يود مفارقته.

واستعرض ابو ابراهيم في سرد اساطير وأحاجي اللص الذي يبرر مشروعية سرقاته ثم سأل رجب فجأة:

هل ترحب بالعمل معنا لصالح السلام؟

والابتسامة تملأ وجهه ..
بالطبع . . ولكن .. أي عمل بالتحديد؟

أخرج ضابط الموساد الخبير أربع ورقات ذات المائة دولار ودسها في يد رجب وهو يقول:
أنت كثير الأسئلة . . هل تعتقد أننا نريدك سفيراً لنا في مصر؟

إذن .. ما هو المطلوب مني؟

ألا تسأل كثيراً لكي لا أغضب منك .. عليك فقط أن تعرف أننا أصدقاء .. وأن لكل حديث أوان. هز رجب رأسه علامة على الرضوخ والطاعة ولحقه ابو ابراهيم بسؤال ذا مغزى:

هل لك صديقة في أثينا؟

أجابه على استحياء:
هجرتني فتاة تدعى انكسيميندرا لأنني لا أعرف اللغة اليونانية وقد ضاقت بإنجيلزيتي الركيكة.

أوه . . أتقصد تلك الفتاة التي يملأ النمش وجهها؟ دعك منها وسوف أعرفك بفتاة رائعة تتحدث بالعربية وستكون معك ليل نهار في أثينا.

تهلل وجهه وارتفع حاجباه دهشة وقال:
أين هي؟ أريدها حالاً. .

ستكون الى جوارك في الطائرة أثناء رجوعك من تل أبيب.

بهت رجب ووقف فجأة كالملسوع وقال بصوت متلعثم:
تل أبيب؟

نعم . . !!

بسرعة قالها ضابط الموساد بلغة الواثق، وأضاف كأنه يأمره بتنفيذ قراره الذي لا رجعة فيه:

ستسافر إسرائيل بعد عدة أيام .. وفي الغد عليك أن تحضر اجماعاً مهماً في السفارة لمناقشة خطوات تنفيذ هذا الأمر فهل عندك اعتراض؟

هربت الكلمات وغاصت في قرار عميق . . وأجاب رجب الذي بدا كالأبله لا يضبط خلجاته:
لا . . لا . . أنا لا أعترض . . إنها مفاجأة لي.

لم يستغرق رجب في التفكير كثيراً. لقد ثبتت لديه النية واتخذ قراره. .ولم يذهب الى سريره لينام بل خرج ينزف دولارات الموساد على الخمر وجسد داعرة صحبها الى شقتها وهو يمني نفسه بالجارية الاسرائيلية التي ستكون تحت إمرته. وفي الصباح الباكر كان يقف أمام باب سفارة إسرائيل تعلوه سحابة انكسار وبعينيه بريق خنوع ديّوث باع لحمه لمزايد !!

ذهب رجب الى مقر السفارة فى الصباح الباكر ، وحضر اجتماع استغرق نحو الساعة ، جلس مع أربعة من ضباط الموساد في أثينا وخامساً جاء من فيينا كان يبدو أنه أكبرهم دراية بالتعامل مع الخونة وتطويع الجواسيس. طلب من رجب أن يرسم له خريطة الميناء في الاسكندرية وأين يقع مكتبه بالضبط؟!! وفوجئ رجب بماكيت مصغر للميناء دخل به موظفان ووضعاه على منضدة تتوسط الحجرة ..

أخذ رجب يشرح بتفصيل أكثر معلوماته عن الميناء. بل ويحدد أماكن مخازن التشوين التجارية . . ورصيف الميناء الذي يستقبل السفن الحربية السوفيتية. . وسفن الشحن التي تجيء بالأسلحة المختلفة من ميناء أوديس السوفييتي على البحر الأسود . . ومخازن تشوين السلاح المؤقتة .. وبوابات التفتيش والمداخل والمخارج.

وهكذا استمر يشرح لهم أسرار الميناء الحيوي، ولم يتركوا أدق التفاصيل إلا وسألوه عنها ثم طلبوا منه الانصراف والعودة صباح اليوم التالي ومعه أربع صور فوتوغرافية وجواز سفره. وبعد أن سلمهم الصور تسلم منهم وثيقة سفر إسرائيلية ذكر بها أنه إسرائيلي من تل أبيب واسمه "دافيد ماشول".


أثينا - تل أبيب

على شركة العال الإسرائيلية سافر دافيد ماشول أو رجب عبد المعطى ، وأوصله مندوب من السفارة الى المطار وتأكد من صعوده الى الطائرة المتجهة الى إسرائيل.


اليهودي الجديد

على سلم الطائرة صافحه ثلاثة رجال .. ثم أدخلوه سيارة مسدلة التسائر كانت تنتظر أسفل جناح الطائرة .. سلكت به اتجاهاً آخر بعيداً عن بوابة خروج الركاب والجوازات . . ووجد نفسه في شوارع تل أبيب لا يصدق عينيه. .

وفي بيت يشبه الثكنة العسكرية على أطراف تل أبيب أدخلوه إحدى الشقق المخصصة لأمثاله من الخونة .. حيث كانت تنتظرهم بها فتاة رشيقة صافحته بحرارة .. ورحبت به بالعربية فسره ذلك كثيراً وقالوا له إن "زهرة" ستظل على خدمته طوال إقامته في الشقة.

وتركوه ليستريح بضع ساعات وعادوا إليه ثانية فصحبهم لمبنى المخابرات الاسرائيلية في شارع الملك شاؤل بوسط المدينة .. وكان في استقباله عدد كبير من كبار رجال الموساد. ولعدة ساعات أخضع لتحقيق واستجواب تفصيلي لكل ما كتبه عن ميناء الاسكندرية.

كان الاجتماع مغلقاً على الضباط المختصين والمحللين الذين أدركوا ميوله للنزعة العسكرية .. وكان ذلك واضحاً جداً من خلال إجاباته الحاسمة .. التي تشبه إجابة عسكرية مدعومة بلغة عسكرية بحتة .. وتغلفها تفاصيل استراتيجية دقيقة لا ينتبه اليها الرجل المدني الذي لم يجند بالقوات المسلحة.

وفي ختام الاجتماع أعد له حفل استقبال كبير في إحدى القاعات بالمبنى .. حضره عدد أكبر من ضباط الموساد ورؤساء الأقسام . . وتم منح رجب عبد المعطي رتبة "رائد" في المخابرات الاسرائيلية، ولم يضيعوا وقتهم كثيراً في مظاهر الترحيب.. إذ أعدوه لدورة مكثفة بدأها أحد الضباط بمحاضرة طويلة عن "ذراع إسرائيل الطويلة" .. وأنها تجعل العدو يرتجف رعباً، وتمنح الإسرائيليين القدرة على النوم في هدوء. وأن الموساد نجحت في حل الكثير من مشاكل الدولة اليهودية وهي على استعداد للقيام بمهام أخرى.

برامج التدريب المكثفة

استمرت برامج الدورة التدريبية المكثفة خمسة عشر يوماً كانت عصيبة ومرهقة. وبعد أن اجتاز الاختبارات بنجاح مذهل . . رافقته زهرة الى منتجع خاص آمن يقع على بحيرة طبرية. . وهناك أذاقته من لدائن أنوثتها. قالتها له صراحة إنها هدية له لاجتيازه الاختبارات وتعاونه مع المخابرات الاسرائيلية بإخلاص. . بل وأكدت له أنها عبدة له يفعل بها ما يشاء . . وعندما صارحها بأنه يستريح إليها ويود لو صاحبته الى أثينا وعدته بأن تعرض طلبه على رؤسائها..

تل أبيب – الأسكندرية


أخبره الضابط المسؤول بأنه سيعود الى الاسكندرية مرة أخرى ليعادو نشاطه السابق في شركة رجب للخدمات البحرية. وأنهم سوف يمدونه بالأموال اللازمة لإحياء شركته وتجديدها. . ولكي يتم تنفيذ ذلك عليه أن يمكث عدة أشهر في أثيناء .. ويشيع بين المصريين العائدين الى مصر بأنه يمارس أنشطة تجارية رابحة جداً في أثينا .. ويجب عليه أن يتأكد من وصول هذه الأقاويل الى مصر والى أهله بالذات.


رجب ورغبته فى حماية إسرائيل وأمن إسرائيل من التهديد العربى

عندما عاد رجب الى أثينا برفقته زهرة .. كان بداخله إصرار غريب على التعاون مع الموساد لحماية إسرائيل وأمن إسرائيل . . من التهديد العربي الدائم والذي يدعو إليه جمال عبد الناصر . . وإصراره على إلقاء اليهود في البحر ليتخلص منهم .. وترسب بداخله اعتقاد بأن عبد الناصر ما هو إلا هتلر جديد جاء ليبيد اليهود الذين يدافعون عن أمنهم . . وحقهم في أن يعيشوا في سلام.


غادر رجب مطار بن جوريون في تل أبيب في طريقه الى أثينا ترافقه "زهرة" .. جميلة الجميلات والعبدة التي تحدثه بلغته وبلغة الجسد الناطقة.

لم تكن مهمتها إفراغ ثورات رجولته المشتعلة دائماً بقدر ما كانت رقيبة على سلوكه وتصرفاته.. وتمتحن إخلاصه للمخابرات الاسرائيلية بين آن وآخر. وكلما حاولت تصيد أخطائه وجدته أكثر منها إخلاصاً لليهودية .. وإيماناً بحق الإسرائيليين في القدس وسائر أرض فلسطين.

إنها تواجدت بجواره لتدفعه بقوة الى عشقها والذوبان فيها. فكلما ازداد عشقاً لها. . أخلص لإسرائيل .. وتفانى في خدمتها.

التهيئة للعود الى الاسكندرية وممارسة الخيانة

أحكمت المخابرات الاسرائيلية خطتها فى تهيئة رجب للعودة الى اسرائيل ، بارسال جوابات وصور زائفة تصور رجب على انه رجل أعمال ناجح ، وتمحى أثار الفشل العالقة فى ذهن أبيه ، وانه عبقرى وناحج بالفعل .

تلك الصور والخطابات قد أثلجت قلب أبيه ، وبأنه ارتقى الى وظيفته واحتل مكانة مهمة في بلاد الإغريق. وأكد ذلك للأب كل من حملوا إليه هدايا ابنه الرقيقة له ولوالدته ولأصحابه.


لكل هذه المظاهر المزيفة .. صدق الأهل بالإسكندرية ما تبوأه رجب من نجاح .. فأرسل إليه والده يرجوه أن يعود الى وطنه مرة ثانية ليعادو نشاطه من جديد .. وليؤكد نجاحاته على أرض وطنه بعدما صقلت شخصيته. .


اختلط العميل الخائن بالمصريين المقيمين باليونان ووطد علاقاته بهم. . وتعددت خدماته ومواقفه تجاه كل من يلجأ اليه فأحبه الشباب المصري هناك .. ووجدوا فيه صورة المصري الشهم النبيل . . في حين أنه كان يدير حوارات سياسية معهم .. ويسجل تقارير مطولة تحمل بين سطورها خسة نياته القذرة في خدمة جهاز مخابرات العدو .. فبدا كما لو كان قد اندرج لسنوات طويلة في صفوف أكاديمية الجواسيس في إسرائيل.. وأعيد مرانه وتدريبه في أثينا على استخدام الحس الأمني والملاحظة والتمويه والخداع بواسطة أمهر الخبراء . . وأحدث دراسات علوم المخابرات والجاسوسية في العالم.

مر عام ونصف ولم يزل رجب في أثينا في حضن المخابرات الاسرائيلية يترقب موعد رجوعه الى الاسكندرية. وعندما اعتقد أنه هيأ "الجو" لعودته .. تحدث مع أبو ابراهيم ضابط الموساد في السفارة الاسرائيلية الذي أمهله عدة أيام ليكتب بذلك الى رؤسائه .. ولما جاءت الموافقة .. اشاع رجب خبر عزمه على العودة الى مصر غانماً بآلاف الدولارات التي جمعها من "أعماله الناجحة" في اليونان.

صيف 1970

مثلما إمتلأت شواطئ الاسكندرية بالمصطافين الهاربين من حرارة الجو ، كذلك إمتلأ بيت الخائن بالمهنئين بعودة رجب الى احضان بلده مصر

كان الرجل أسعد الناس على سطح الأرض.. وجهه يتهلل بشراً وسحنته تضحك خطوطها ويرقص قلبه طرباً. والخائن لا يستحي وهو يحكي عن عبقرية مزعومة .. ويختلق اقاصيص الوهم التي لقنته إياها مخابرات العدو .. فأفاض في الحديث والوصف وأضفى على نفسه بطولات وبطولات.


زلزال وفاة جمال عبد الناصر الذى هز مصر


وبعدما استقر به المقام عدة أيام، اصطحب مهندس الديكور الى مكتبه القديم حيث كانت لافتة "شركة رجب للخدمات البحرية" قد ضربتها الشمس وتشققت قشرة خشبها. وبالداخل كان العنكبوت قد نسج خيوطه فخيمت على كل شيء وبدا المكتب كمقبرة مهجورة.

وبينما كان المهندس يشرح له تصورات وتخيلات الشقة بعد تجديدها. .حدث زلزال هز أعماق مصر كلها وضرب فيها الأمل والأمان .. وزحفت جموع الشعوب العربية لهول الصدمة عندما أعلن موت جمال عبد الناصر.

العميل رقم 1041

امتلأت الشوارع بفيضان من البشر كالطوفان يجرف أمامه هدأة الحياة وغفلة الزمن زحف من الأحياء يغلي، وكتل ملتصقة من الحناجر تصرخ في هلع وبكاء مرير يمزق القلوب . . وشروخ بدت في الوجوه بفعل الدموع. وتوقفت الحياة ومادت موازين العقل فلا عقل يصدق أن الزعيم رحل.

ودون أن يدري . . بكى رجب، وكان لا يدري أيبكي ناصر الأمل؟! أم يبكي بذور الخيانة التي تعملقت بداخله وعظمت فروعها؟

وود للحظات لو أن أقدام الباكين الحائرين داسته. لكنه سرعان ما استعظم ذاته وأبى ألا يضعف. بل سطر أولى رسائله، وكانت هذه الرسالة هي الخطوة العملية الأولى في عالم الجاسوسية. . رداً على رسالة وصلته بطريق الراديو تطلب منه مراقبة حركة ميناء الاسكندرية وعما إذا كانت اسلحة سوفييتية تتدفق على مصر بعد موت زعيمها الأول أم لا ؟


ومع إطلالة الأيام الأولى في عام 1971 كان رجب قد انتهى من تشطيب مكتبه ، افتتح المكتب الذى جمع غفير من الأهل والأصدقاء، وملأت إعلانات الدعاية بالعربية والإنجليزية صفحات الأهرام تعلن عن ميلاد شركة خدمات بحرية متميزة ، قادرة على تحمل مسؤوليات الشحن والتفريغ وما يخصهما من إجراءات مع الجهات المختصة.

وازدحم المكتب بالزوار وذوي المصالح، وازدادت الخطابات الواردة اليه من الشركات الملاحية ومن رؤسائه في أثينا يغذونه بالمعلومات . . ويلقون أوامرهم وتوجيهاتهم ويدفعونه ليكبر أكثر وأكثر. فازدهرت أعماله بسبب التوكيلات العالمية التي حصل عليها، وصار اسمه مشهوراً ودخوله الى الميناء بالتصاريح الممنوحة أمراً سهلاً وقويت علاقاته بالموظفين وبالمديرين.

ولأنه يعمل في "المهنة" فقد كان سؤاله عن أحوال الميناء يوماً بيوم أمراً عادياً لا يثير ريبة ولا شكوكاً في نياته. . وهذا هو ما كانت تقصده المخابرات الاسرائيلية. . أي زرع جاسوس داخل ميناء الاسكندرية يرصد كل أسراره وأوضاعه

خطابات السادات كانت ترعب رجب !

لقد أكدوا له أنهم لا يريدون حروباً مع العرب.. فهم يدافعون عن رقعة صغيرة من الأرض يعيش عليها أطفالهم وضعافهم. وكلما شن أنور السادات هجماته من خلال خطبه السياسية .. كان رجب يرتعد خوفاً من حماس وعوده بأن هذا العام هو عام "الحسم" لتدمير إسرائيل. . وكثرت الرسائل الى رجب بطريق البريد والراديو .. وتعددت رسائله أيضاً الى "أصدقائه".


رجب يبكى يوم العبور على اسرائيل !

وفى هذا اليوم الباسل حيث عبر جنودنا البواسل ارض سيناء الغالية وروت بدمائهم الطاهرة أرضها لتنبت نصرا وعزة وكرامة ، بينما رجب فى مكتبه ينتفض خوفا وهلعا على اسرائيل المساكين ، الذي يقتله العرب بلا رحمة مجتمعين.

وكثرت في تلك الأثناء زياراته للميناء يستقص الأخبار ويستقي المعلومات بجرأة، دون أن يلفت انتباه أحد، لكثرة أسئلته عن السفن الراسية بالميناء وفي الغاطس تنتظر الدخول.

انكشافه أمام المخابرات المصرية

لفتت رسائله المتعددة الى أثينا وروما انتباه ضابط المخابرات المصري المكلف بمراقبة البريد الصادر الى خارج مصر والوارد اليها. واكتشف أمر الرسائل المشفرة. وقام جهاز المخابرات المصرية بمراقبة بريد رجب عبد المعطي . . وجرى الكشف عن كل رسائله وصورت وأعيد إغلاق الرسائل بدقة متناهية.. لكي تكون دليل إدانة ضده أمام النيابة وعند محاكمته.

وبينما كان الجاسوس مشحوناً بحماس النصر، وبدأت الخريطة السياسية للمنطقة تتشكل من جديد .. نشط رجب في رصد حركة الميناء المستمرة وأرسل الرسالة التالية الى صديقه "الوهمي" ديميتريوس في اليونان:

الاسكندرية 27/11/1974. عزيزي ديمتريوس.

1- خط عادي: تهنئتي القلبية بمناسبة عيد ميلادك السعيد، ولعلك .

2- حبر سري: سفن شحن متعددة من جنسيات مختلفة تدخل.

1- خط عادي: الآن في أحسن حال بعد الوعكة الصحية التي أصبتم.

2- حبر سري: الميناء لتفرغ حمولتها من المواد التموينية بكثرة.

1- خط عادي: بها منذ ثلاثة أسابيع. فكيف حالكم الآن؟!!

2- حبر سري: أيضاً تأكدت من وصول سفينة تشيكوسلوفاكية.

1- خط عادي: أحوالي على أحسن ما يرام، وأنوي إجراء بعض.

2- حبر سري: تحمل معدات عسكرية في صنادق يصعب الاقتراب.

1- خط عادي: أعمال الديكورات الحديثة بمكتبي، على ذلك.

2- حبر سري: منها بسبب الحراسة المشددة، ولا زالت.

1- خط عادي: فسأتغيب لمدة أسبوعين على الأكثر على شاطئ.

2- حبر سري: سفن عربية من الجزائر وليبيا تنزل حمولتها.

1- خط عادي: البحر الأحمر ريثما ينتهي مكتب الديكور من عمله.

2- حبر سري: من البطاطين والمواد الطبية وسفينة عملاقة.

1- خط عادي: ولسوف أعاود بعد ذلك نشاطي بشكل أفضل.

حبر سري: تحمل علم بنما اسمها "ليليها مر" [5] محملة بحوالي.

1- خط عادي: بعد هذه الإجازة التي أتشوق اليها لأتمكن.

2- حبر سري: 200 جرار زراعي ومعدات زراعية وميكانيكية.

1- خط عادي: من صيد السمك بعيداً عن زحام العمل والتوتر.

2- حبر سري: مختلفة وسفينة سوفيتية تحمل معدات توليد.

1- خط عادي: المستمر من جراء المشكلات المتوقعة.

2- حبر سري: كهرباء ضخمة وآلاف من الإطارات.

1- خط عادي: تهنئتي لك مرة أخرى وتحياتي وأشواقي.

2- حبر سري: الكاوتشوك مقاسات مختلفة وموتورات.

1- خط عادي: رجب.

2- حبر سري: رقم / 1041.

13 يناير 1975

وأخيراً .. بعد أن جمعت المخابرات العامة المصرية كل الأدلة التي تدينه . . توجهت قوة من رجال المخابرات صباح 13 يناير 1975 الى مكتبه. . اعتقد رجب أنهم "زبائن شغل" ولكن . . حينما أخبره قائد القوة بأنه ضابط مخابرات . . لم يستطع رجب أن يقف . . ظل ساكناً على كرسيه تتحرك ركبتاه لا إرادياً، واصطكت أسنانه فجأة، وزاغت عيناه في هلع لا حدود له.

ومن قبيل الصدف العجيبة أن رجل البريد جاء برسالة من المخابرات الاسرائيلية – مرسلة من الداخل – أثناء وجود المخابرات في مكتبه حيث طلبوا منه حلها . . ووضعوا أمامه كتاب الشفرة التي عثروا عليه في درج سري بالمكتب مع كل أدوات التجسس المزود بها.

لم يستطع رجب استيعاب الأمر على حقيقته. فقد كانت نظرات ذهوله تدل على مدى الرعب الذي أصابه. . إنهم أفهموه في تل أبيب وفي أثينا أن المخابرات الاسرائيلية لم يحدث لها أن فشلت مرة واحدة في مهامها.. ولكن الفشل يأتي دائماً من العميل الذي قد يهمل تكتيكات الأمان التي يجب عليه أن يلتزم بها ولا يهملها أبداً. فجهاز المخابرات الاسرائيلي – حسبما اقنعوه – أفضل أجهزة المخابرات في العالم.

ابتسم رجب في سخرية عندما تذكر ادعاءاتهم الباطلة، وبينما كانت قافلة السيارات تنطلق به الى القاهرة – كانت المخابرات الاسرائيلية ترسل بالراديو رسالتها الدورية الى عميلها:

"ننتظر ردك على الرسالة التي وصلتك .. لا تتأخر، واستعد للسفر خلال شهر مارس الى أثينا".

وفي مبنى المخابرات المصرية جرى استجوابه فاعترف تفصيلياً – وهو مذهول – بقصة سقوطه في مصيدة المخابرات الاسرائيلية .. وعقدت له محكمة عسكرية وجهت اليه التهم الآتية:

- باع نفسه ووطنه للعدو مقابل المنفعة المادية.
- أمد العدو بمعلومات عسكرية واقتصادية تضر بأمن الدولة ومصلحة البلاد.
- ارتضى لنفسه أن يحمل اسماً يهودياً وجواز سفر يهودياً ورتبة عسكرية يهودية.
- التخابر مع دولة معادية "إسرائيل" بقصد الإضرار بالعمليات الحربية لمصر.
- التخابر مع دولة أجنبية معادية لتسليمها سراً من أسرار الدفاع عن البلاد.

وحكمت المحكمة بالإعدام شنقاً. . وصدق المفتي ورئيس الجمهورية على الحكم. وأثناء انتظار التنفيذ . . شعر الخائن بعظم جرمه وفداحة مسلكه.

وعامله المجرمون والقتلة في السجن معاملة سيئة، وكادوا أن يفتكوا به عدة مرات كلما سنحت لهم فرصة لقائه. وأنزوى الخائن يجتر ذكرياته فتتقلص عضلات جسده.. ومضت عليه عدة أسابيع، ذاق خلالها مرارة الحسرة والذل والمهانة. . ونحتت بدنه عضات الندم .. حتى عثر عليه ذات يوم ملقى على الأرض بزنزانته وسط بركة من الدم المتجلظ . . وقد عثر على إحدى عدسي نظارته منزوعة ومهشمة. . وتبين أن هناك ثمة قطع غائر بيده اليسرى طال شريانه.

ترى .. هل أصابه مس من العقل وأدرك فداحة جرمه فانتحر؟
أم أنه استشعر الفارق الشاسع ما بين الرفاهية والحبس؟
أو ربما ظن أن الموساد ستنقذه لا محالة فقتلته ظنونه؟ لا أحد يعرف..
لكنه حتماً أفاق بعدما خسر الكثير..
خسر نفسه وأهله ووطنه . . وكل شيء . . كل شيء ضاع..

لكن اسمه سيظل دائماً بقائمة الخونة . . أولئك الذين باعوا عروبتهم بثمن بخس. . ولن يغفلهم التاريخ على مر الأحقاب . .!!
سمحان موسى ... جاسوس من أجل الكيف !


الجاسوس محمد سيد صابر ... خريج الهندسة النووية !

أننا الأن ليس أمام جاسوس بمعنى الكلمة ، وإنما هو من باع وطنه لإسرائيل ، ربما لم تسمع عنه كثرا ، وإن سمعت فأنك من المؤكد ان تتحسر على هذا الجيل ، الذى باع ايضا دماء الشهداء وخان وطنه .


محمد سيد صابر أحدث جاسوس إسرائيلى ، حصل محمد على بكالوريس الهندسة النووية من جامعة الإسكندرية عام 1994 وتم تعيينه بهيئة الطاقة الذرية عام 1997.. وعمل بالمفاعل النووى بأنشاص، وفى عام 1999 أى بعد عامين فقط قدم طلبا للسفارة الإسرائيلية بالقاهرة للهجرة إلى إسرائيل وذلك بسبب الخلافات التى نشبت بينه وبين مسئولى هيئة الطاقة الذرية.

شعر محمد بانه شخص مميز علميا ومهنيا ، فكان يؤمن بأنه يجب ان يعامل معاملة من نوع خاص ، نعم انه عبقرى ! ولكن محمد لم يدرك انه موظف فى الاول وفى الاخر موظف ، من الممكن أن تنشب مشاكل وان يلام ، ولكن ما فعله كان ضد كل القوانين .

فببعض هذه القضايا يتم حلها وبعضها يدخل فى حائط مسدود.. فى حالات الإحباط كان يذهب الموظفون أو المواطنون الذين فشلوا فى الحصول على حقوقهم أو تحقيق أنفسهم إلى السفر خارج مصر مهاجرين وفارين بجلودهم وعقولهم..

لكنهم كانوا يقصدون أمريكا أو كندا أو استراليا. لكن محمد سيد صابر قصد إسرائيل للهجرة إليها ! .. وهنا لابد أن نسأل: هل كان يريد المهندس المصرى أن يفر من البلد التى ظلمته وطحنته فقط أم أنه أراد بالهجرة إلى إسرائيل تحديدا دون غيرها من كل بلاد الدنيا أن ينتقم من بلده ويوجه إليها طعنة هائلة.. فهو يبيعها لعدو؟! رغم الكلام الكبير عن السلام بيننا وبينه - إلا أنه مازال عدوا يتربص بنا ونتربص به..

ولكن السؤال المحير هل محمد خائن بطبعه ؟ أم انه شعر بانه قد ظلم قد دفعه الى ذلك الفعل ؟ فكيف ؟ وهو قد دخل كلية الهندسة بما يعنى أنه كان طالباً متفوقا استطاع أن يحصل على مجموع كبير بتعبه ومجهوده فى الثانوية العامة، أنهى دراسته فى قسم الهندسة النووية والأحلام تراوده أنه سيصبح عالما له ثقل ووزن ومكانة اجتماعية ولابد أن تترجم هذه المكانة والاجتماعية إلى وضع اقتصادى مناسب، لكنه بعد أن تخرج وجد نفسه مجرد موظف بل إنه تعرض للاضطهاد من رؤسائه، لم يجد نفسه ولم يجد شيئا من أحلامه التى ظلت تراوده ويراودها.


من الذى بدأ بالخيانة.. هل خان محمد مصر أولا، أم أن مصر هى التى خانته، إن المحللين يذهبون كل مذهب فى تفسير سقوط الجواسيس، يبحثون عن الأسباب الاجتماعية والنفسية التى تدين أصحابها، لكن لم يسأل أحد نفسه عن الذى وقف وراء هذه الأسباب وصنعها وجعلها مؤثرة إلى الحد الذى يتحول فيه الشاب المصرى إلى جاسوس يبحث عن تحقيق نفسه فى أى أرض لو كانت هذه الأرض تحمل عداء وحقدا وكراهية لأهله وأرضه. لا يمكن لأحد أن يبرر الخيانة..

لابد ان هناك عنصر مفقود فى الاسباب التى تدفع بهؤلاء البشر الى الوقوع فى فخ الخيانة ، ليس المال فقط هو الدافع ، لابد من وجود عوامل سيكولوجية ونفسية واجتماعية كثيرة تكون بمثابة الناقوس الذى يدق فى عقول هؤلاء ويحركهم تجاه الخيانة .

بماذا نفسر كره الشباب لتأدية الخدمة العسكرية والهروب منها ، واحضار العديد من الوسائط للعفو منها ، ومدى الفرحة من التى تصيب الشاب عندما يعلم انه معاف من تأدية الخدمة العسكرية ؟! ، ألا هو واجب ونداء الوطن ؟!

ان غياب النزعة الوطنية والهوية العربية والانتماء والدين ، هما من أهم العوامل الذى يؤدى غيابها الى الاندفاع فى طريق الخيانة

فقضية مثل قضية هذا محمد سيد صابر ، وغيره من المصريين اللذين من الممكن ان يندفعوا الى ذلك العمل ، لم يحدث بدون دوافع وتسهيلات ، فالتطبيع الذى جاء والسلام الذى وفره الرئيس السادات جعل الاسرائيليين يتجولون داخل البيت المصرى بلا حرمة ، ودفع الكثير الى الانصياع وسماع أهدافهم النبيلة ورغبتهم فى السلام وأن يعيش العرب مع الاسرائليين جنبا الى جنب .

فمع حرمان الكفاءات العلمية من توفير الفرص والجو المناسب للعمل والابداع كلا فى مجاله ، ومع تدنى مستوى المعيشة الذى من المفترض وأن يعيش فيه المواطن المصرى ، والذى يضمن له العيش الجيد والكريم ، من الممكن فى ظل الاغراءات التى تقدمها اسرائيل من مال وحسان وعمل ورفاهية ، قد جعلت الهجرة الى اسرائيل امرا اعتياديا وسهل فى أن يهاجر اليها ويقصدها المصريين ، قانعين أنفسهم بأن هناك اتفاق سلام وانهم بعيدين كل البعد عن السياسة ومشاكلها .


فهذه هى الرسالة الأساسية التى يجب أن نلتف حولها ونناقشها.. فالجاسوسية ضد مصر لم تعد من أجل المال فقط.. ولكنها أصبحت من ظروف قاهرة ومناخ فاسد أفرز مواطنين بلا انتماء ولا وطنية..

مقاطع الفيديو
قصة اصطياد الجاسوسة هبة سليم



No comments:

Post a Comment