عندما تقوم بتربية «وحش» داخل منزلك .. وإطعامه بيدك يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة ..لا تنزعج .. بل توقع أن تكون أنت أول ضحية سيقوم بالتهامها».. حكمة قديمة تصلح وبشدة لوصف الموقف الذى تمر به «منى زكى» الآن إثر الحملة الشرسة التى تتعرض لها هى وفيلمها القادم خلال أيام قليلة «احكى يا شهرزاد»، والذى لا يمكنك التعامل معه بعقلية السوق على أنه فيلم «منى زكى» لأنه ببساطة فيلم يشهد لأول مرة تقارب عالمين سينمائيين مهمين وهما «وحيد حامد» و«يسرى نصر الله» .. ومن ناحية أخرى هو فيلم مهم وجرىء بلا شك فى طرحه الاجتماعى المهم الذى يدخل فى عوالم المرأة المصرية المختلفة ويربط هذه العوالم المتداخلة بأزمات مجتمعية وفكرية ذكورية وخطيرة.
ضجة من الوهم، هجوم بلا مبرر وضجيج بلا طحن على فيلم لم تستقبله دور العرض بعد.. هذه المعادلة المختلة هى حقيقة الوضع الذى تجد «منى زكى» نفسها فيه.. ولكن الأزمة لا تكمن فى قيامها بتقديم مشاهد ساخنة أم لا .. لأنه حتى فى حالة قيامها بها لا يوجد ما يبرر هذا الهجوم، بل على العكس يمكننا التعامل مع ما قامت به على أنه حالة تغير إيجابية .. وإنما الأزمة فى أنها قامت ببناء أسطورة من الوهم تعتمد فى الأساس على مغازلة الاتجاهات المحافظة والمتحفظة فى المجتمع على مدار ما يقرب من 10 سنوات وحجزت لنفسها مقعدا فى الصف الأول من موكب «السينما النظيفة»، وبالتالى فعندما تفكر فجأة فى التخلى عن مقعدها لصالح عمل فنى مهم .. ليس عليها أن تنزعج من رد فعل الجمهور الذى أثاره رؤية بطلته المهذبة.. وهى ترتدى قميص نوم ويقبلها زوجها داخل أحداث الفيلم فى رقبتها .. أو أن يداعب قدميها بشكل يحمل العديد من الإيحاءات السوية دراميا ... بل يجب أن تتذكر جيدا أن عليها أن تدفع ثمن الجرم الذى ارتكبته ليس فقط فى حق نفسها كفنانة وإنما فى حق غيرها من الفنانات اللاتى أصبحن سيئات السمعة فى نظر الجمهور حينما حاول مقارنتهن بها من حيث موافقتهن على تأدية المشاهد التى يصطلح على تسميتها «ساخنة». ضجيج بلا طحن القصة تعود إلى ما يقرب من أسبوع أو أسبوعين، حينما بدأت بضع فضائيات عرض إعلان فيلم «احكى يا شهرزاد» والذى قدم لقطات متتابعة تظهر فيها «منى زكى» ترتدى قميص نوم بينما زوجها فى الفيلم «حسن الرداد» يحاول التودد إليها، حيث يقف وراءها «عارى الصدر» ويقوم بتقبيلها فى رقبتها بما تحمله هذه القبلة من إيحاءات قوية، بينما فى مشهد آخر نراه يقوم بضربها على قدميها نصف الممددة على السرير.. مشاهد صادمة بالطبع لجمهور «ربته» منى زكى على صورة ظلت تقدمها لسنوات، وإن كانت فى النهاية تظل مشاهد معتدلة فى معدل جرأتها، ولكن ظهورها فى «الإعلان» بشكل متتابع، بالإضافة إلى ظهور لقطات أخرى تحفل بقبلات حارة وأحضان حسية .. جعل الجمهور يتصور أن منى زكى تقدم لأول مرة من خلال الفيلم توليفة «حسية»، وهو الأمر الذى ليس حقيقيا على الإطلاق ويدعو للأسف فى الوقت ذاته،وعلى أى حال فالحقيقة أن المشاهد الأخرى التى توهم الناس أن بطلتها هى «منى زكى» تقدمها الممثلة المغربية «سناء عكروت»، ولكن الجمهور المنفعل لم يمنح نفسه فرصة الانتظار لمشاهدة الفيلم، وأطلق حملات على «الفيس بوك» تندد بـ«منى زكى» وتطالب بمقاطعة الفيلم .. وهى مطالب منطقية جدا فى نظر أشخاص عاديين تعمدت «منى» أن تجعلهم يرون فيها التحقق الأمثل لفكرة السينما النظيفة .
الغريب والمثير للانتباه فى هذه القصة أن الجمهور ربط بشكل مخل بين الشائعات التى تعلقت بانفصال «منى» عن زوجها «أحمد حلمى»، وبين هذه المشاهد بشكلين مختلفين فى طريقة سردهما ومتفقين فى تخلف منطقهما: التفسير الأول أن هذه المشاهد هى سبب الانفصال وأن الزوج الشرقى بداخل «حلمى»جعله يثأر لنفسه ويقوم بتطليقها، أما التفسير الثانى الأكثر سذاجة فهو أنها تحاول الانتقام منه بتقديم هذه المشاهد، وفى النهاية التفسيران يؤديان لنفس النتيجة. شهرزاد 2009 ما علمناه أن أجواء تصوير الفيلم شهدت بالفعل توترا من قبل «منى» التى كانت فى حالة تركيز تام أثناء التصوير ليس فقط لأنها تغيبت عن الجمهور لمدة عامين كاملين منذ آخر أفلامها «تيمور وشفيقة»، وإنما لأنها كانت تعلم أن مسيرتها تعطلت كثيرا بسبب أخطائها وسوء تقديرها وفهمها لطبيعة الفن الذى تقدمه، وأن هذا الفيلم يحمل بالنسبة لها طوق نجاة .. حتى تلحق بـ«منة شلبى» و«هند صبرى» اللتين سبقتاها بمراحل ليس بوقوفهما إلى جانب السقا أو كريم، وإنما بتوقعيهما على عدد من الأفلام المهمة فى السنوات الأخيرة ... أى أنها كانت تعلم جيدا منذ قراءتها للسيناريو أنها بصدد تقديم تجربة مختلفة تماما عما قدمته من قبل. وربما نحن فى حاجة إلى إلقاء مزيد من الضوء على «شهرزاد» نفسها ..حتى يمكننا استيعاب المنطق الذى يحكم المشاهد التى أثارت استياء المشاهدين. «منى» بعيون «حامد» و«نصرالله» تقدم «شهرزاد 2009» التى تعمل مذيعة لأحد أهم البرامج الحوارية .. صادمة مثيرة للجدل .. تسبب إزعاجا لأشخاص تربطهم علاقات بزوجها الذى يعمل صحفيا «حسن الرداد» .. وهنا تبدأ صراعاتهم المهنية تطغى على حياتهم الشخصية .. هذا هو الخط الأساسى للفيلم .. فنحن أمام زوجين شابين منطلقين يعيشان فى شد وجذب طوال الوقت، وبالتالى تصبح المشاهد التى رأيناها جزءا من هذه الحالة من التوترات والمشاحنات التى تتخللها مداعبات حسية من وقت لآخر .. المفاجأة التى لم ينتبه إليها أحد هى أن الناس لم تعتد مشاهدة منى تقدم هذه المشاهد لسبب بسيط ألا وهو أنه خلال كل تلك الأفلام التى قدمتها منى لم تظهر كزوجة إلا مرة واحدة تقريبا خلال أحداث فيلم «سهر الليالى» الذى ظهرت فيه ترتدى الحجاب، وبالتالى لم تظهر كواليس غرف النوم فى أفلامها من قبل بغض النظر عما إذا كانت هذه مصادفة أو أمرا مقصودا منها. أما الخيط الثانى الذى يظهر من خلال شخصية «منى» فهو المتعلق باقتحامها كمذيعة مناطق أنثوية شائكة كالحجاب والخيانة وغيرهما من الكلمات المثيرة للجدل.
سنوات الوهم
فى نهايات حقبة التسعينيات بدأ يظهر وجه أنثوى برىء يدعى «منى زكى» على الشاشة على استحياء من خلال أدوار صغيرة فى مسلسلات مهمة .. قدمها وحيد حامد فى «العائلة».. قدمها يحيى العلمى فى «نصف ربيع الآخر» .. قدمها «إسماعيل عبدالحافظ» فى الجزء الخامس من «ليالى الحلمية».. ومن قبله فى «ضد التيار».. قبل أن يمنحها المساحة الأهم فى «أهالينا» من خلال دور ملىء بحيوية مبهرة تلقائية، الأمر الذى مهد لتحملها قدرا من المسئولية فى «القتل اللذيذ» و«اضحك الصورة تطلع حلوة» ليجىء نجاحها فى هذين العملين مواكبا لانطلاقتها الأهم مع «صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، لم يحب الجمهور براءتها وعفويتها الفنية فحسب، وإنما أحب أيضا الصورة التى رسمتها لنفسها من خلال حواراتها الصحفية والتليفزيونية .. أحب الفتاة «الدلوعة» التى تتحدث الإنجليزية أكثر مما تتحدث العربية، وهذا بالطبع لأنها قضت سنوات طويلة فى لندن .. أحب الفتاة التى ترفض القبلات والأحضان الدافئة فى الأفلام ليس لأنها متزمتة دينيا -لا سمح الله-، وإنما لأن وجنتيها تتزينان بحمرة الخجل حينما تقدم على مشاهد كهذه. هذه كانت البداية لمشروع فنانة موهوبة، ولكن منى كانت تعلم جيدا أنها بصدد منافسة شرسة من قبل منافستها القوية فى ذلك الوقت «حنان ترك».. قبل أن تظهر حلا شيحة وتشكل أيضا بالنسبة لها مساحة من الخطورة وكان عليها أن تستعد جيدا لهذه المعركة. فى نهايات 1999 وبرغم دعاوى السينما النظيفة إلا أن حنان ترك كانت مازالت تملك الجرأة لتقديم مشاهد قوية فى «الآخر» مع يوسف شاهين. هنا بدأت منى تفطن إلى حقيقة مهمة، ألا وهى أنها محدودة فنيا .. أى أنها تصول وتجول فى مساحة ضيقة للغاية من الأدوار والمساحات التمثيلية، بينما كانت حنان تعزف منفردة على مساحات أكثر اتساعا .. أصبح السلاح أمامها جليا .. ركوب الموجة ومغازلة الروح المحافظة بداخل الجمهور الذى أعجبته نغمات «السينما النظيفة»، ومنذ هذا التوقيت وحتى 2007 وهى تستخدم السلاح نفسه.. ربما تكون قبلة الوداع السينمائية التى قدمتها «منى زكى» هى تلك التى جمعتها بأحمد السقا فى «أفريكانو» ..لتمحوها فى لحظتها بصفعة سينمائية داخل أحداث الفيلم.
الساحة اختلفت .. ظهرت حلا شيحة .. ثم اختفت وعادت، ظهرت غادة عادل ثم اختفت وعادت، ظهرت ياسمين عبدالعزيز ثم اختفت وعادت، أما حنان فكانت دائما هى التحدى الذى لا تهزمه أسلحة منى زكى «النظيفة» قبل أن تختفى حنان تماما، ولكن منذ 5 أعوام أصبحت منى مهددة بالكشف على يد الصاعدتين بقوة منة شلبى وهند صبرى، بدأت أسهمها فى التراجع، «خالتى فرنسا» أول محاولة لبطولة مطلقة منى بهزيمة بشعة، «عن العشق والهوى» لم يحقق المرجو منه ليصبح «تيمور وشفيقة» هو الإنذار الأخير لمنى التى تسبب وجودها داخل أحداث الفيلم فى خروجه خالى الدسم، ففى أحد مشاهد الفيلم التى تنجح فيه ثلوج أوكرانيا فى إحياء الحب القديم تهبط قبلة أحمد السقا باردة على خد «منى زكى»، الأمر الذى أفسد مذاق الفيلم أيضا ولم يحقق الفيلم النجاح الذى توقعناه. 10 سنوات اعتمدت فيها منى على رهان خاسر أفرز أدوارا تكاد تكون استنساخا باهتا لبعضها البعض.
موكب «منى زكى»:
لم تتسبب منى فى خسارات فنية لها وحسب، وإنما كانت السبب فى خسائر لجيل كامل من الفنانات الصاعدات اللاتى كن يسقطن لا لشىء إلا لأنهن عاجزات عن الاقتراب من الأسطورة التى رسمتها هى لنفسها، فجأة قامت حنان بتحويل المسار .. علينا أن نعترف أن هذه كانت رغبة مجتمعية فى ذلك الوقت، ولكن منى دعمتها وحولتها من رغبة إلى قرار واختيار على من تريد النجاح أن تتبعه، منة شلبى وهند صبرى ومن قبلهما حلا شيحة فى «السلم والثعبان» هن أبرز ضحاياها. فى 2002 قدمت «منة» فيلم «الساحر» وقدمت هند «مواطن ومخبر وحرامى» و«مذكرات مراهقة»، لم يستطع الجمهور أن يحكم على تجربتهما إلا من خلال نظافة تجارب منى السينمائية، وبالتالى تحولت الاثنتان إلى لوحتين للتنشين من قبل المحافظين الذين امتنعوا عن التعامل معهما من منطلق فنى، وأصروا على التعامل معهما كما لو أنهما سيئتا السمعة وظلت منة وهند لفترة طويلة أشبه بالمحرمات التى لا يجوز الاحتفاء بها أو الاقتراب منها أو حتى إضفاء صفة الفن عليها. لا نقول إنهما تراجعتا الآن ولكن بلا شك ليستا بنفس روح الاندفاع الأولى التى كانت تميزهما عن الجيل الذى تماهى مع موكب منى زكى وضاع فى منتصف الطريق. بحر الشائعات كان على منى زكى أن تضيف إلى أسلحتها سلاحا آخر أكثر تأثيرا وقوة بالنسبة لتركيبة المجتمع القائمة ولذا تزوجت مبكرا من «أحمد حلمى» حتى إن اسمى منى وأحمد كانا هما الأكثر ترديدا على ألسنة الناس فى السنة التى تم الزواج بها، بل إن تفاصيل قصة الحب ثم الحمل ثم الإنجاب، جعلت الناس تضفى على منى مزيدا من القدسية، ولكن هذا السلاح ارتد فى وجهها مرات كثيرة، فمن منا ينسى الضجة المشابهة التى أثارها «أبو على» والذى حفل بجرعة مضاعفة من الرومانسية والأحضان التى جمعت منى بـ «كريم» والتى جعلت الكثيرين يستاءون من الفيلم، وأيضا ظهرت فى ذلك الوقت شائعات تتحدث عن انفصال منى و«أحمد».
حرصت منى بذكاء مبهر على أن تكون حياتها الشخصية انعكاسا لحياتها الفنية لتضمن تأثيرا مضاعفا على الجمهور الذى لم يشاهدها يوما فى حفل خارج النص، حواراتها فى بدايات حياتها الفنية مع محمود سعد عن الدروس الدينية التى تحضرها .. برنامج الأدعية الذى أنتجته فى رمضان الماضى .. كلها أسانيد حاولت أن تدعم بها موقفها، ولكن ترى هل تساندها فى معركتها الحالية؟! سؤال تجيب عنه الأيام القليلة المقبلة
No comments:
Post a Comment