«أنا اشرف منك يا خاين يا ابن الكلب» «أنا مشبوه يا وسخ؟» «وحياة أمك مش هسيبك» «لو مسكتش هضربك بالجزمة» عفوا فليست خناقة في حارة، ولا «عركة» علي قهوة بلدي أو علي رصيف منطقة عشوائية بل هذه هي بعض من مصطلحات وجمل نواب مجلس الشعب المصري، ونموذج «لخناقات» نوابه الأفاضل، فيبدو إن السادة " نواب الشعب " قد قرروا مؤخرا حسم كل القضايا والمشكلات السياسية علي طريقة فريد شوقي في فيلم بداية ونهاية " كرسي في الكلوب " وشوية شتائم.
فالواضح إن الشتائم والسب أصبحا اللغة الطبيعية التي يتعامل بها النواب في أي اختلاف وهو ما أكدته " الخناقة الأخيرة " بين نائب الحزب الوطني أحمد شوبير والنائب الإخواني يسري بيومي في لجنة القوي العاملة بمجلس الشعب والتي كان سببها أزمة عمال شركة طنطا للكتان فقد دافع شوبير عن المستثمر السعودي مالك الشركة الذي يتهمه العمال بإهدار حقوقهم " قائلا " المستثمر كتر خيره ولا هو وجع قلب؟ وهنا تدخل النائب الإخواني يسري بيومي ليتهم شوبير بأن " له هدف مشبوه " فكان رد شوبير علي النائب الإخواني بالقول " أنا مشبوه يا وسخ... أنا وطني وأشرف منك وحياة أمك مش هسيبك».
هذه اللغة للأسف أصبحت جزءا من الخطاب السائد بداخل مجلس الشعب طوال الوقت والرجوع " فلاش باك " يثبت أن السادة النواب أضحوا يدخلون إلي المجلس وهم مستعدون " لعركة جديدة " كل يوم.
علي كل تعالوا نعود إلي الخلف قليلا ونتذكر معا " خناقات " السادة النواب الأخيرة كلها لنؤكد أن اللغة المتبعة أصبحت هي لغة الشتائم فقد كانت مشكلة النائب نشأت القصاص مع نواب الإخوان المسلمين في لجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس بسبب قضية الجدار العازل علي الحدود المصرية مع غزة نموذجا لهذه اللغة التي أضحت سائدة في المجلس فقد بدأت المشاجرة بمحاولة النائب حازم حمادي عضو الحزب الوطني التشويش علي نواب الإخوان أثناء عرض آرائهم.
و انضم كل من بدر القاضي وجمالات رافع ونشأت القصاص لمؤازرة زميلهم، وعندما حاول الشيخ سيد عسكر عضو كتلة الإخوان الاستشهاد بأحد الأحاديث النبوية قامت الدنيا تقعد واتهمه النائب نشأت القصاص " بتحريف الأحاديث "
إلا أن عسكر طالبه " بعدم الحديث بهذا الشكل " قائلاً "إنتوا عندكم نتانياهو إسرائيل" وتصور القصاص أنه يصفه بالإسرائيلي، فما كان منه إلا أن رد عليه "أنا أشرف منك يا خاين يا ابن الكلب يا بتاع حماس" وواصل " وقال لهم " دي وساخة وقلة أدب».
هذا التدني في لغة الخطاب يصفه النائب سعد عبود بأنه نتيجة طبيعية لما سماه بتوحش الأغلبية " ومحاولات إرهاب الخصوم فضلا عن حماية يتم توفيرها لأعضاء الحزب الوطني تحت قبة مجلس الشعب فيما يتم التعامل مع نواب المعارضة بشكل أكثر تشددا وحسما.
وأضاف عبود أن عدم معاقبة النواب الذين يستخدمون هذه اللغة يجعل النواب الآخرين يخرجون عن شعورهم ويبادلونهم بنفس الأسلوب.
و حكي عبود قصة تعرضه لإهانة كان بطلها نشأت القصاص نائب الحزب الوطني الحاكم عندما سب عبود حينما اتهم النظام المصري بالصمت علي اختراق طيران إسرائيلي للمجال الجوي المصري قائلا " القصاص اعتذر عما بدر منه لمجلس الشعب وليس لسعد عبود وهو ما قبله الدكتور فتحي سرور وأغلق الأمر عند هذا الحد رغم أنني طالبت رئيس المجلس بالحصول علي حقي بعد تعرضي للإهانة.
و اختتم عبود حديثه بالقول أشعر أحيانا أن هناك بعض النواب " جايين من البراري " مثل الأغنياء الذين يشعرون أنهم يستطيعون بأموالهم شراء كل شيء.
علي كل فإن اللغة المتدنية لم تنته بعد فقد كانت الجلسة التي تم تخصيصها لمناقشة ما حدث في انتخابات المجالس المحلية مثالا آخر لما يحدث داخل " المجلس الموقر " فحينما اتهم الإخوان الحكومة بإرتكاب تجاوزات في حق مرشحيهم في مجلس الشعب رد النائب مجدي عرفة بالقول إن الإخوان جماعة «محظورة» وهو ما رفضه النائب حسين إبراهيم معتبرا أن هذه اللهجة تعبر عن «تهريج لا يليق» وهنا رد النائب مجدي عرفة بالقول " أنا مش بتهدد يا حبيبي».
طبعا الأزمة الشهيرة بين نائب الحزب الوطني عمر هريدي والنائب المستقل علاء عبد المنعم هي أحد الشهود علي تدني لغة الخطاب بداخل مجلس الشعب ففي إحدي المناقشات كان النائب علاء عبد المنعم يوجه انتقادات سياسية للحكومة إلا أن النائب عمر هريدي ثار لكرامة الحكومة وقال في كلمته إن عبد المنعم «يتمايل» يمينا ويسارا مثل " امرأة لعوب " وهو ما اعتبره عبد المنعم كلاماً لا يصدر إلا عن «عاهرة».
طبعا يوسف بطرس غالي كان بطل أزمة «سب الدين» في البرلمان فيبدو أن سيادة الوزير أدرك أن ثقافة المجلس تغيرت وتبدلت لذلك فقد أكد في حديثه عن " عزبة الهجانة " أنه " سيطلع دين " أصحاب العمارات هناك أن لم يلتزموا بدفع الضرائب.
الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الدراسات السياسية بالأهرام له وجهة نظر مختلفة فيما يحدث في مجلس الشعب فهو يري أن " النظام الفردي " الذي يحكم العملية الانتخابية يجعل النائب الذي يصل إلي مقعده يصل إليه عن طريق العصبيات والرشاوي وغيرها وهو ما يغدو معه الأمر طبيعيا.
ويضيف ربيع أنه منذ بدء تطبيق النظام الفردي فإن مجلس الشعب قد عرف نواب الكيف ونواب القروض ونواب النقوط ونواب التأشيرات ونواب سميحة معتبرا أن الالفاظ النابية «والخناقات» هو التطور الطبيعي للأمر. وضرب ربيع مثالا بمجلس الشعب عام 1987 والذي كان به أكثر من 95 نائبا من نواب المعارضة يمثلون أحزاب العمل والوفد والأحرار لافتا إلي أن الحوار الذي كان سائدا في هذا المجلس هو الحوار " بمعناه السياسي " أما الآن فإن النظام الفردي - والحديث لربيع - قد أفرز هذا النوع من الحوار المتدني والمنحل علي حد قوله.
«خناقة الجزمة» كانت أشهر «الخناقات» علي الإطلاق بين النائب أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني والنائب المستقل طلعت السادات عندما اتهم عز طلعت السادات بمحاولة «ضربه بالجزمة» خلال خلافات في وجهات النظر بينهما في مجلس الشعب.
علي كل حال فإن النائب مصطفي بكري يعتبر أن ما يحدث في مجلس الشعب هو جزء من انهيار منظومة القيم في المجتمع المصري وعدم القدرة علي إدارة حوار جاد وموضوعي. لكن بكري رفض الربط بين استخدام هذه المصطلحات وبين الثقافة السياسية للنواب معتبرا أن هذا الأمر يعبر عن " سلوك النائب " علي حد تعبيره وأضاف " هذه اللغة المتدنية لا يجوز لنائب في مجلس الشعب أن يستخدمها أبدا مطالبا بضرورة وجود قرارات حاسمة تصدر من لجنة القيم ضد النواب الذين يستخدمون الألفاظ النابية أثناء الحوار مضيفا هذه اللغة اهانة للبرلمان وإهانة للشارع المصري الذي اختار هؤلاء النواب مخالفة صريحة لكل القيم والأخلاقيات التي تحكم المجتمع.
شاهد فيديو الخناقة
No comments:
Post a Comment