كشف مصدر أمني كبير في شرطة دبي يوم الخميس الموافق 4 فبراير / شباط أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سيكون مطلوبا للعدالة إذا ثبت تورط الموساد في تلك الجريمة.
وأضاف المصدر ذاته في تصريحات لقناة "الجزيرة" القطرية أنه إذا ما تأكد تورط الموساد ، فإن جريمة الاغتيال ما كانت لتتم دون موافقة نتنياهو ولذا فإن الإمارات لن تتوانى عن ملاحقته قضائيا وتقديمه للعدالة.
التصريحات السابقة تؤكد أن إسرائيل لن تفلت هذه المرة من العقاب على انتهاكها لسيادة الدول العربية ، بل إنها تردع أيضا الكيان الصهيوني عن توسيع نطاق جرائم الموساد في المنطقة .
ويبدو أن الإمارات وهي تتوعد نتنياهو أدركت بكل وضوح أن اغتيال محمود المبحوح الملقب بـ " أبو العبد " في دبي لم يكن مجرد رسالة إسرائيلية لحركات المقاومة الفلسطينية فقط وإنما له أبعاد أخرى غاية في الخطورة تمتد لتشمل عرقلة تجربتها التنموية والحضارية التي نالت إعجاب العالم بأكمله .
فالجريمة جاءت بعد أسابيع قليلة من افتتاح برج خليفة الذي يعتبر أعلى ناطحة سحاب في العالم ، كما جاءت في أعقاب تعافي دبي سريعا من أزمتها المالية بل وإعلانها استعدادها أيضا لاستضافة مقر الأمم المتحدة في نيويورك على أراضيها وهو الأمر الذي من شأنه في حال حدوثه أن يغير خريطة الاستثمار والوضع الاقتصادي للمنطقة لاسيما الإمارات.
إسرائيل سارعت فيما يبدو لإجهاض مثل هذا السيناريو مبكرا لأنه يهدد مخططاتها للسيطرة على ثروات المنطقة وإضعاف الدول العربية الواحدة تلو الأخرى ، هذا بجانب منع الإمارات من أن تكون مقرا لفعاليات الأمم المتحدة وهو ما يحجم مغامراتها العسكرية والاستخباراتية في المنطقة .
وهناك أمر آخر هام وهو أن جريمة اغتيال المبحوح تعتبر بمثابة رسالة حول توسيع نطاق جرائم الموساد لتصل إلى كافة الدول العربية والإسلامية وحتى تلك الدول التي توصف بالاعتدال من وجهة نظر الغرب ، بل إن ارتكاب الجريمة في دبي أكد أن تل أبيب لا تحترم الأعراف الدبلوماسية ، حيث ظهرت تصريحات وتقارير صحفية تشير إلى أن مرتكبي جريمة اغتيال المبحوح وصلوا الإمارات ضمن الوفد الإسرائيلي الذي شارك مؤخرا في مؤتمر القمة العالمية للطاقة المتجددة في أبو ظبي .
وقال القيادي في حماس محمود الزهار في هذا الصدد إن هناك احتمالا بأن يكون مرتكبو جريمة اغتيال المبحوح دخلوا إلى الإمارات ضمن الوفد الذي ترأسه وزير البنى التحتية الإسرائيلي عوزي لانداو ، وضاف أن لانداو كان وصل في 15 يناير / كانون الثاني إلى الإمارات وغادرها بعد حوالي أربعة أيام ، قائلا :" نحن نريد أن نعرف ما إذا كان هناك داخل الفندق الذي نزل به لانداو من أسهم في عملية القتل والأدوات التي استخدمت في جريمة الاغتيال ومن أي بلاد جاء المنفذون وبأي جوازات سفر دخلوا إلى الإمارات".
وطالب الزهار الدول العربية وخاصة تلك التي تربطها علاقات مع إسرائيل بالتحرك إزاء مثل تلك الاغتيالات ، مؤكدا أن الدول العربية لا يرضيها أن تتحول أراضيها إلى ساحات اغتيال واغتيال مضادة.
واعتبر أن اغتيال المبحوح وغيره من القيادات الفلسطينية داخل الدول العربية يقدم رسالة بأن إسرائيل لا تحترم سيادة أي دولة عربية ومصالحها مقدمة على مصالح كل الشعوب ولذلك يجب إعادة تقييم العلاقات معها.
وفي السياق ذاته ، قال موقع "فلسطين اليوم" الإلكتروني إن علامات استفهام بدأت تلوح في الأفق فيما يتعلق باغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في إمارة دبي وخاصة فيما يتعلق التوقيت.
وأضاف " في اليوم الذي قتل فيه المبحوح في أحد فنادق دبي ، كان لاندو يتواجد في فندق آخر في إمارة أبو ظبي بعد أن قدمت له الدعوة لحضور مؤتمر الأمم المتحدة حول الطاقة المتجددة".
وتساءل موقع "فلسطين اليوم" الإلكتروني في هذا الصدد " هل عوزي لاندو ومن رافقه من جهاز الموساد قد حولوا غرفة الوزير الإسرائيلي لغرفة عمليات مشتركة مع عناصر آخرين من الموساد دخلوا دولة الإمارات بجوازات أوروبية ، فقد وصل لاندو لإبو ظبي يوم الجمعة 15 يناير وبقي فيها حتى يوم 19 يناير تقريبا ، وتم اغتيال المبحوح قبل ساعة أو ساعتين من مغادرة عوزي لاندو".
تورط الموساد
الشهيد محمود المبحوح
وسواء تأكد ارتباط زيارة الوزير الإسرائيلي بجريمة الاغتيال أم لا ، فإن القائد العام لشرطة دبي الفريق ضاحي خلفان لم يستبعد منذ البداية تورط الموساد باغتيال المبحوح ، خاصة بعد أن عمدت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى الإشارة لدور المبحوح في أسر وقتل الجنديين الإسرائيليين إيلان سعدون وآفي سسبورتاس في الثمانينات إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
وفي حال أكدت التحقيقات تورط الموساد ، فإن هذا لا يشكل فقط انتهاكا لسيادة الإمارات وإنما يسيء أيضا لصورة دبي كمركز عالمي للأعمال .
ويبدو أن إسرائيل لم تفهم الدرس جيدا ، فمسارعة الإمارات لمطاردة الجناة وتقديمهم إلى العدالة في الجريمة التي أودت بحياة الفنانة اللبنانية سوزان تميم يبعث كان يبعث برسالة واضحة أنها لن تلتزم الصمت تجاه جريمة اغتيال المبحوح رغم عدم وجود مقارنة بين الجريمتين فالأولى طابعها جنائي والثانية سياسي .
أيضا فإن هناك أمرا آخر كان يرجح رد الفعل الحازم من جانب الإمارات في هذا الصدد ألا وهو أنها تريد الحيلولة دون تكرار مثل تلك الجرائم على أراضيها بعد جريمة اغتيال القائد الشيشاني السابق سالم ياماداييف الذي اغتيل بإطلاق الرصاص عليه في مرآب للسيارات في دبي قبل سنوات وهو ما اعتبر حينها جريمة من تدبير الاستخبارات الروسية بسبب معارضة ياماداييف للرئيس الشيشاني الموالي لموسكو رمضان قاديروف.
والخلاصة أن إسرائيل بعثت برسالة مفادها أن يدها قادرة وتستطيع الوصول إلى أي مكان وهو ما تطلب رد فعل إماراتي حازم لردعها عن مواصلة العبث بالأمن القومي العربي وتكرار جرائم مماثلة لاغتيال المبحوح .
أبو العبد
والمبحوح " 50 عاما" هو أحد من مؤسسي "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة حماس أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى ، وكان يعرف بـ "أبو العبد" ، وأثناء وجوده في غزة ، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بسجنه مرات عدة وهدمت منزله في القطاع بالجرافات.
وعاش بعد خروجه من السجون الإسرائيلية مطاردا حتى تاريخ إبعاده وتوجهه للعيش في سوريا عام 1989 ، وتردد فيما بعد أنه تنقل بين دول عربية وغربية عديدة ، مستخدما جواز سفر باسم شخص سوري متوفي.
وبعد إبعاده ، اتهمته إسرائيل بأنه هو الذي دبر أسر اثنين من جنودها خلال الانتفاضة في الثمانينات وأنه واصل عمله لتهريب الأسلحة لغزة ، كما اتهم بأنه كان وراء محاولة تهريب شاحنة محملة بالسلاح إلى غزة عبر السودان العام الماضي والتي قامت الطائرات الإسرائيلية بقصفها ، بل وزعمت بعض الصحف الإسرائيلية أنه كان للمبحوح دور في الأسلحة التي ضبطتها البحرية الإسرائيلية على سفينة "فرانكوب" قبل أشهر.
ورغم الإعلان عن اغتياله في دبي في 19 أو 20 يناير 2010 ، إلا أنه مازالت هناك الكثير من علامات الاستفهام حول أسباب وجوده في الإمارات وكيفية تنفيذ جريمة اغتياله وتداعياتها .
وفي البداية ، ذكرت صحيفة " التايمز " البريطانية أن المبحوح كان عنصرا رئيسيا في عمليات تهريب السلاح إلى غزة عندما قتل في فندق بدبي في الـ 20 من يناير ، مشيرة إلى أن وجود المبحوح في الإمارات كان لترتيب شحنة أسلحة لتهريبها إلى غزة.
ومن جانبه ، ذكر بيان لشرطة دبي أن معظم المشتبه بهم يحملون جوازات سفر أوروبية وغادروا الإمارات قبيل الإبلاغ عن وفاة المجني عليه والعثور على جثمانه في أحد فنادق دبي ، موضحا أن التحقيقات الأولية ترجح أن الجريمة ارتكبت على يد "عصابة إجرامية" متمرسة كانت تتبع تحركات المجني عليه قبل قدومه إلى دولة الإمارات.
وأشار البيان إلى أنه بالرغم من سرعة تنفيذ الجريمة ومهارة مرتكبيها ، لا أن الجناة خلفوا وراءهم أثراً يدل عليهم وسيساعد على تعقبهم ومن ثم القبض عليهم في أقرب فرصة ، مؤكداً أن شرطة دبي لم تعد تعترف بعبارة "جريمة غامضة أو مجهولة".
وأضاف أن المبحوح " 50 عاما " دخل إلى الإمارات في حوالي الساعة الثالثة والربع من بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق 19 يناير/كانون الثاني 2010 قادما من إحدى الدول العربية ، حيث عثر على جثمانه ظهر اليوم التالي الموافق 20 يناير/كانون الثاني 2010 في الفندق الذي كان يقيم فيه في دبي".
وفيما يتعلق بطبيعة عملية الاغتيال ، أشارت صحف إماراتية إلى أنه عثر على جسد المبحوح على آثار "كي وتعذيب" بكوابل كهربائية ونقلت عن مصادر أمنية القول إن أربعة أشخاص شاركوا في عملية الاغتيال ، موضحة أن السلطات الإماراتية لو أبلغت منذ البداية بأن المبحوح موجود بأراضيها لكانت شددت الإجراءات الأمنية حوله ، إلا أنه دخل باسم مستعار ، وهو الأمر الذي دفع البعض للتحذير من أن هناك اختراقا استخباراتيا لحركات المقاومة الفلسطينية .
ومن جانبه ، أكد موسى أبو مرزوق عضو المكتب لحماس من دمشق أن نتائج التحقيقات أظهرت أن المبحوح ضرب بصاعق كهربائي شل حركته ثم خنق وذلك في أحد فنادق دبي في العشرين من يناير حيث كان في مهمة تحفظ أبو مرزوق على ذكر أي شيء يتعلق بها قبل استكمال كل التحقيقات.
وفي السياق ذاته ، ذكر فائق المبحوح أن النتائج الأولية للتحقيقات أثبتت أن شقيقه محمود المبحوح اغتيل بواسطة جهاز يحدث صعقة كهربائية ثم جرى خنقه بواسطة قطعة قماش .
وأضاف أن شقيقه كان نجا خلال السنوات الأخيرة من ثلاث محاولات لاغتياله في غزة وفي بيروت ، مشيراً إلى أنه تم تسميمه قبل ستة أشهر، حيث ظل فاقدا للوعي لمدة 36 ساعة.
وفي المقابل ، اعتبر المحلل في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية روني بن يشاي أن نتائج فحص جثة المبحوح أظهرت أنه توفي جراء تسمم ، قائلا :" التسميم أو التعرض لمواد معينة أو لأجهزة كهربائية يمس مراكز الأعصاب الرئيسية ويقود إلى مصاعب في التنفس أو اختناق أو حتى لجلطة".
وأوضح أن الأطباء في دبي ربما اكتشفوا آثار صعق كهربائي ، قائلا " إذا صحت اتهامات حماس للموساد، فإن اغتيال المبحوح في دبي يكشف عن القدرات الفائقة للاستخبارات الإسرائيلية في ملاحقة رجال حركة حماس والوصول إليهم.
واعتبر روني بن يشاي أن الاغتيال رسالة لحماس ولأسرى الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ، قائلا :" لا غرابة في اتهام الموساد باغتيال المبحوح الذي كان أحد كبار المسئولين عن منظومة مشتركة لحماس وإيران تنظم وتشرف على تهريب الصواريخ والسلاح والمواد المتفجرة من إيران إلى قطاع غزة".
ومن جانبه ، أعرب رئيس بلدية عسقلان بني فاكنين عن رضاه بما أسماه "تصفية الحساب" مع المبحوح ، قائلا :" هذا إغلاق لدائرة ، فطوال سنوات عانت أسرة الجنديين الإسرائيليين سعدون وسسبورتاس ، ونحن نثني على الجيش الإسرائيلي وعلى الموساد على تلك العملية ".
ويبقى التساؤل الذي يشغل الجميع " هل سترد حماس على اغتيال المبحوح ؟".
تشييع جثمان المبحوح في دمشق
والإجابة يبدو أنها لن تكون بالسهولة التي يتوقعها البعض ، فتصريحات عدد من مسئولى حماس تتوعد بالثأر ، حيث قال رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل خلال تشييع جثمان المبحوح في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين على مشارف دمشق :" المبحوح رجل عظيم حارب الإسرائيليين على مدى 30 عاما " ، وخاطب الإسرائيليين قائلا :"تؤلموننا ولكننا نؤلمكم ، هذه حرب مفتوحة ، لن تتوقف حتى ترحلوا عن أرضنا، نحن واثقون وجازمون أننا سنهزمكم ، الحرب طويلة ، ولكننا مطمئنون لنتيجتها، والله الذي لا إله إلا هو، والله الذي قبض روح أخينا أبي العبد ، سنهزمكم شر هزيمة".
واختتم مشعل قائلا : "أقسم بالله وباسم الله وعلى بركة الله ، سننتقم لدماء محمود المبحوح ، والأيام بيننا سجال ، واليوم الأخير لنا بإذن الله".
وفي السياق ذاته ، حمل عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمود الزهار الاحتلال الإسرائيلي مسئولية نقل ساحة المواجهة إلى الخارج عبر اغتيال القيادي في الحركة محمود المبحوح في دبي .
وأضاف " إسرائيل أرادت عبر عملية الاغتيال جعل الساحة الدولية ساحة للصراعات، وهي بالتالي تصبح المسئولة وحدها عن ذلك ، جربت إسرائيل واكتوت بنار المواجهة الخارجية في صراعها مع منظمة التحرير وهي تعرف أن حماس لا تقل قدرة عن الوصول لأهدافها في أي مكان وأي وقت".
ورغم أن التصريحات السابقة تتوعد بالثأر ، إلا أن هناك كثيرين حذروا حماس من الوقوع في الفخ المنصوب لها ، فحكومة نتنياهو عمدت لتنفيذ جريمة الاغتيال في هذا التوقيت بهدف إجهاض الضغوط الأمريكية والدولية عليها لاستئناف عملية السلام ، كما أنها توعدت مؤخرا بحملة "الرصاص المصبوب 2 " ضد غزة وبالتالي فإن قيام حماس بانتقام مماثل قد يعجل بتنفيذ مخططات إسرائيل في هذا الصدد مثلما حدث في عام 1982 عندما تذرعت بمزاعم حول محاولة اغتيال أحد دبلوماسييها في لندن لاجتياح لبنان .
أيضا ، فإن قيام حماس ، التي التزمت بالهدنة وأحرجت إسرائيل أمام العالم ، بالرد بعملية انتقامية ثأرية في الخارج من شأنه أن ينال من التعاطف الدولي المتزايد الساعي لرفع الحصار عن غزة .
ويبدو أن اغتيال المبحوح قبل أسبوعين من إحياء الذكرى الثانية لاغتيال القائد العسكري في حزب الله عماد مغنية في دمشق هو رسالة تحذير إسرائيلية لحزب الله وحماس بأن يدها تضرب في كل مكان وأن أي انتقام لاغتيال المبحوح ومغنية يعني حربا جديدة ، بل ويرجح كثيرون أن إسرائيل أنهت استعداداتها لمثل تلك الحرب للتغطية على تداعيات تقرير جولدستون من ناحية ولإجهاض ضغوط أوباما من ناحية أخرى .
No comments:
Post a Comment