من فتاوى البابا شنودة
فوجئ الحاضرون فى إحدى عظات البابا شنودة وهم بالآلاف بسيدة تشكى من قيام ابنتها بالحديث مع شاب عبر الإنترنت وأنها مترددة فى إخبار والدها. فنصحها البابا بإخباره قائلاً لها: إنها بصمتها هذا ستساهم فى ضياع الفتاة وأن الأب عليه أن يكون جادا و«ناشف» على حد قوله، وجدد تحذيره للفتيات بعدم تصديق وعود الشباب لأن «الرجالة مش مضمونين». كما نهى البابا عن العلاقات العاطفية التى تتم على الإنترنت وقال: «العلاقات على الإنترنت غير مضمونة».
لم يكن هذا السؤال الأول من نوعه فى عظات البابا وإنما كانت هناك مئات الأسئلة الغريبة فى السنوات الأخيرة التى أجاب عنها البابا بخفة دم معهودة منه لكن المتأمل يقف طويلا أمامه متسائلا: هل تعتبر هذه الأسئلة تحولات شخصية.. أم أنها تحولات تعبر عن طبيعة العصر؟.. وهل حمى الإفتاء المعروفة عند المسلمين انتقلت إلى الأقباط رغم أن المسيحية ترفض مسمى الفتوى وتشير إليها بوصفها نصيحة أو إرشاداً إلا أن ردود البابا تدخل ضمن باب الإرشاد الروحى الذى يستقبله المسيحيون الأرثوذكس على أنه إلزام دينى وروحى لهم ويعتبرونه منهجا يسيرون عليه فى حياتهم.
«اليوم السابع» تدخل هذه المنطقة الشائكة لمعرفة أغرب الأسئلة وأظرفها وكيف طرحت فى العظة الأسبوعية وكيف استقبلها البابا وأجاب عليها.
«الأغانى حرام أم حلال؟»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«سماع الأغانى حرام أم حلال؟» هذا السؤال لم يوجه لدار الإفتاء المصرية بل للبابا شنودة الثالث فى إحدى عظات الأربعاء.. وكان لابد للبابا أن يجيب فقال: أى نوع من الأغانى تقصد.. إذا كنت تقصد الأغانى العاطفية التى لغير الله فهى خطأ لأنه من المفروض أن يكون قلبك كله وعاطفتك لله.
وتابع البابا قائلا بأن للموسيقى مؤثرات على الإنسان فى حالات مختلفة، حتى أن الموسيقى العسكرية فى صفوف الجيش لها تأثيرها، فهى تعطى للجنود الحماس والشجاعة والقوة، وهناك موسيقى توقظ مشاعر ليست مُنضبطة.. وهناك أنواع عديدة من الموسيقى، مُشيراً إلى «بيتهوفن» الذى كان يلعب بمشاعر الناس من خلال الموسيقى وهكذا، فكل موسيقى تؤثر فى الإنسان.. إن لم تؤثر فيه آنياً فستؤثر فيه مُستقبلاً.
«غيرة الأزواج»
ـــــــــــــــــــــــــ
ومن أطرف الأسئلة التى طرحتها سيدة تبلغ من العمر 70 عاما وزوجها 80 عاما تشكو للبابا من غيرة زوجها عليها والتى لم تعد تتحملها؟
فابتسم البابا ونصح السيدة بالهدوء قائلا: يجب أن تشعرى بالسعادة لغيرة زوجك عليك بعد هذا العمر الممتد، واعتبر غيرته عليها اهتماما وحبا منه لها. وفى المقابل سأل زوج كثير الشك فى زوجته البابا ماذا أفعل؟
فقال له البابا ناصحا «الشك لن يتعبها هى بل يتعبك أنت، وعليك أن تتذكر فضائلها كلما تسرب الشك إلى قلبك»
غير أن البابا شنودة نصح السيدات المتزوجات من رجال خائنين بـ«الصبر والتحمل». وقال: «إن الزوج الخائن يُمكن أن يُطلق بسبب خيانته ولا يُصرح له بالزواج مرة أخرى، لكن السيدات عليهن أن يتحملن ويغفرن لأزواجهن، حتى يرجعوا ويتوبوا، وإما يتغاضين ويعتبرنه مجرد رجل بالمنزل ويتسامحن لأجل الأبناء فى المنزل، ونصح بعرض مثل هذه المواضيع على أحد الآباء الكهنة القريبين من هذه القضايا ودراسة كيف تكون الحلول».
كما طلبت إحدى السيدات حديثة الزواج من البابا النصيحة من أجل استمرار زواجها، فقال لها: «خلو محبتكم لبعض تزيد يوم بعد يوم، لأن هناك أزواج بيحبوا بعض قبل الخطوبة ولما يتجوزوا ياخدوا بالكتير شهر واحد كويسين، وبعدين يتحول العسل من الأبيض إلى الأسود وبعد كده ما يبقاش فيه عسل خالص».
ومن الغيرة والشك فى الزوجات إلى ضرب الزوجات ففى إحدى المرات سأله أحد الأقباط «هل ما يفعله من ضرب لزوجته«علقة» كل شهر حتى تمتنع عن المشاكل حرام أم حلال؟».. فرد البابا قائلا إن الضرب خطية لأننا نكسب الناس بالحب ولا يجب أن نغيظ أحدا حتى يصل إلى مرحلة الانفعال لتحدث على أثره خطية الضرب.. وأشرك البابا المرأة فى الخطية لأنها هى التى تصل بالرجل إلى هذا الحد.
ومن الزواج إلى الخطوبة سأل شاب البابا قائلا خطبت فتاة فاضلة. ولكنى وجدت أن أمها حادة الطبع، كثيرة المشاكل ومتعبة. فهل أكمل زواجى بها, وتصبح هذه الأم المشاكسة حماتى؟ فرد البابا قائلا: نعم ما ذنب الابنة إن كانت أمها هكذا؟ هل تقف الأم فى طريقها، فتمنع عنها كل فرصة للزواج؟ كثيراً ما سألت هذا السؤال وكانت إجابتى هى: يمكنك أن تتزوج هذه الابنة على شرطين
- أنها لا تكون قد ورثت شيئاً من طباع أمها بل تكون على العكس ساخطة على طباع هذه الأم عن اقتناع.
- أنها تكون ذات شخصية مستقلة بحيث لا تتبع أمها فى المستقبل، ولا تكون تحت طاعتها فى أخطائها وبذلك تستطيع أن تنقذ هذه الابنة المظلومة بزواجك منها فلا تتركها ضحية لأم حادة الطبع كثيرة المشاكل ومتعبة.
«الزواج من أجنبيات»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان البابا قد أجاب ذات مرة عن سؤال أرسله له شاب يقول فيه إن العهد القديم فى الكتاب المقدس حرم الزواج من أجنبيات فهل إذا تزوجت من أوروبية أو أمريكية حرام؟
فرد البابا قائلا: فى العهد القديم كانت كلمة الأجنبيات تشير إلى «غير المؤمنات» وسبب التحريم حتى لا يجعل الزوج ينقلب إلى ديانتها وهو هنا يعنى الزواج من غير المؤمن بالمسيحية أما أن تكون من وطن آخر فلا مانع طالما أنها متدينة ومؤمنة وذات صلة بالكنيسة.
وفى الإطار نفسه سأل أحد الحاضرين فى إحدى العظات عن هل يجوز لرجل أن يتزوج امرأة أخيه أو أخت زوجته؟ وهل منع هذه الزيجات هو منع من قوانين الدولة الرومانية أم أنه منع دينى؟ وهل سببه الخوف من قتل الزوج بواسطة أخيه ليتزوج امرأته أو العكس مع الزوجة؟
وكان رد البابا: أن هذه الزيجات ممنوعة دينيا وتدخل فى باب الزواج بالمحارم، وشرح بعدها البابا العلاقة الروحية بين الأسرة والتى تمنع هذه الزيجات.
وذكر البابا أن هيرودس الملك «أقسم» أن يعطى الراقصة ما تريد فطلبت منه رأس يوحنا المعمدان ولكنه كان من الأفضل ألا يفعل لأنه لم يكن من الرجولة أن يفى بقسمه ويرتكب خطية القتل.. وذكر البابا هذا المثال ليرد على أحد الحضور الذى قال له إنه كان فى حالة غضب وأقسم بأنه سيغادر المنزل إذا لم يتم تنفيذ أمر ما.. فقال له البابا إن الإصرار على تنفيذ قسم يضر «خاطئ» وطلب منه أن يطلب المغفرة من الله على قسمة.
«السجائر دخان والدخان يوجد فى الجحيم»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأسئلة التى توجه إلى البابا فى عظاته الأسبوعية دائما تهتم بمناحى الحياة ومن بينها سؤال عن التدخين ودخول النار، فقال البابا إن السجائر دخان والدخان يوجد فى الجحيم، مشيرا إلى أن الله ليس قاسيا إلى هذا الحد، بالإضافة لوجود الراغبين فى الامتناع عن التدخين وهؤلاء لهم معاملة خاصة من الله.
وفى رده على سؤال هل قراءة الفنجان حرام؟ أشار البابا إلى أن قراءة الفنجان ومعرفة الطالع هى أفعال تربط بالشيطان وأمور تعطى الفرصة لتدخل عمل الشيطان مثلها أى نوع من سبل محاولة الإنسان فى معرفة الطالع.
وفى السياق نفسه حول الحلال والحرام سأل أحد الشباب البابا خلال عظته الأسبوعية حول عمله فى إحدى صالات القمار بالفنادق الكبرى منذ 7 سنوات هل حلال أم حرام؟ فطلب منه البابا أن يترك عمله فورا وطلب البابا اسم الشاب للبحث له عن عمل آخر حتى لا يفقد مصدر رزقه بترك العمل فى صالة القمار.
وفى إطار التحريم أيضا شدد البابا على «تحريم النحت» وصنع التماثيل، وقال- فى إجابته عن سؤال لمسيحى لا يصوم ولكنه يتبرع للفقراء والكنيسة-: «توجد خطايا عارضة وخطايا خطيرة، فمثل من يعمل فى صناعة التماثيل والأصنام، وما شابهها من أعمال، لا تقبل عطاياه، مثلها مثل الربا، والمرأة الزانية التى تعيش فى الزنى لا تقبل عطاياها لأن النبى داود يقول: «زيت الخاطئ لا يدهن رأسى».
وأضاف: «كان الخطاة لا يتم قبولهم فى الكنائس حسب القوانين القديمة»، مشيرًا إلى أن إحدى السيدات المشاهير من هذا النوع حاولت دخول كنيسة فتم منعها وأمرها الأسقف أن تأتى بكل أموالها وملابسها إلى فناء الكنيسة حتى يسمح بدخولها، وعندما نفذت قام بإحراقهما فقالت السيدة: «إذا كان أهل الأرض يفعلون بى هذا فماذا سيحدث لى فى السماء وقررت التوبة النهائية».
«تعاليم الإنجيل أوصت بعدم ارتفاع صوت المرأة داخل الكنيسة»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى الوقت الذى تشهد فيه مصر خلافات حادة حول تعيين المرأة قاضية لم تكن الكنيسة ببعيدة عن هذه القضية حيث طرحت إحدى السيدات على البابا شنودة فى إحدى عظاته عن رأيه فى رسم المرأة كاهنة. فرفض البابا فى رده على السؤال أن يكون للمرأة دور كهنوتى داخل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، مؤكدا أن ذلك يعد مخالفا لتعاليم الإنجيل المقدس، فلا يجوز أن تكون المرأة كاهنة، خاصة فى ظل ما تتعرض إليه من زواج وحمل وولادة، فضلا عن أن تعاليم الإنجيل التى أوصت على عدم ارتفاع صوت المرأة داخل الكنيسة.
وأكد البابا أن دخول المرأة فى رتبة كهنوتية أمر غير لائق ولا يجوز بالكنيسة مستشهدا بالعذراء مريم التى كانت الأم الروحية لكثيرين من الرسل ولم يتم رسامتها كاهنة.
«الله لايحاسب جميع البشر فى وقت واحد»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وردا على سؤال عن زيارة الموتى بالقبور فى الأعياد، قال البابا إن زيارة الموتى مفضل لأنه يعطى عبرة وعظة عن زوال العالم وغير مفضل فى الأعياد على اعتبار أنها أيام فرح ولا يجب تذكر الأشياء المحزنة بها.
وهل يوجد عقوبة من الله للإنسان على الأرض؟ أشار البابا إلى أن ليس كل خطية يمكن أن يكون لها عقوبة على الأرض، فكثيرا ما يغفر الله الزلات وتكون العقوبة بالسماء، مؤكدا أن طلب الراحة من متاعب الدنيا لا يعتبر خطية.
و سأله آخر حول الطريقة التى سيحاسب بها الله عباده يوم القيامة، وما إذا كان سيحاسب جميع البشر فى وقت واحد، فقال البابا إنه لا يعتقد أن الله سيحاسب جميع البشر فى وقت واحد، وإنما سيكشف الله لكل شخص عمله وأخطاءه قائلاً: «لكن ما افتكرش الله يجيب المليارات دى كلها ويحاسبهم فى وقت واحد. مش معقول يحصل كده». وقال البابا: حين يكشف الله للناس أخطاءهم سوف تتضح حقائق البشر وأن ما كان يظنه الناس قديساً قد يكون أشر الناس.
وردا على سؤال آخر لرجل يريد تقسيم تركته على أبنائه حسب الشريعة الإسلامية، نهى البابا شنودة التمييز بين الفتى والفتاة فى تقسيم الميراث، مشيرا إلى أن المسيحية لا تفرق بين الجنسين، ونصح الرجل بعدم الانصياع لرغبة زوجته بتوريث ابنها ثلثى ميراث والده على حساب الابنة المظلومة، طالبا منه أن يتبع ضميره لا ضغوط زوجته.
«لا تسرق»
ــــــــــــــــــ
حول عقوبة السرقة خاصة التى تحدث فى الكنيسة أكد البابا شنودة على أن عقوبتها كمثل أى سرقة تحتاج لتوبة وإرجاع المسروق، فالسرقة العادية توبخ الضمير، فبالأولى السرقة من مكان مقدس وملك لله، فالإنسان الذى يسرق من الكنيسة يدل على أنه فقد ضميره نهائياً لأنه يسرق من بيت ربنا، بل ويُوجب الحرمان على السارق حتى لو كان خادماً فى الكنيسة.
«التبرع بالكبد لأى إنسان مهما كانت ديانته»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفى سؤال لشخص يقول: أنا إنسان عصبى بسبب مشاكل الحياة.. وأريد نصيحة عندما أكون فى هذه الحالة.. وكيف أتعامل مع الأشخاص وأنا فى هذه الحالة؟.. أجاب البابا شنودة أنت لست عصبيا بسبب مشاكل الحياة، ولكن بسبب طبعك الخاطئ، هو كل واحد مشغول يبقى عصبى.. طبعاً لا، فأنت فى كل مرة عندما تغضب تخسر من حولك وتخسر نفسك وأعصابك، فمن الأفضل عندما تكون تعبان اصمت أو اهرب من هذا المجلس أو أمشى ولا تظل فى نفس الموقف حتى لا يستمر ويزداد غضبك.
وأكد البابا شنودة إمكانية التبرع بالكبد لأى إنسان مهما كانت ديانته، مستشهدا فى ذلك بقصة «السامرى الصالح» حينما كان إنساناً مُلقى بين الحياة والموت وأن السامرى - الذى لا ينتمى لجنس المريض - هو الذى قام برعايته وعلاجه إلى أن شفى، مشددا على أن مسألة مساعدة المريض عمل إنسانى، لا يتقيد بشروط الجنس أو الدين أو اللغة لأنه واجب على الجميع.
«الاعتراف بالموبايل»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن الأسئلة الغريبة التى كانت تحتاج إلى ردود من البابا نفسه فى إطار التكنولوجيا الحديثة نصح البابا بمنع ممارسة سر الاعتراف- وهو أحد الأسرار الكنسية السبعة - عن طريق الموبايل. وكان مبرر البابا غريبا ولم يتوقعه الأقباط، فقد ظنوا أن المنع بسبب الخصوصية وأهمية أن يكون القبطى الذى يمارس سر الاعتراف موجودا أمام الكاهن، لكن البابا منع لسبب آخر قاله فى بداية عظة أسبوعية له فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية حيث قال: «بلاش تعترفوا فى الموبايل علشان أمن الدولة هيسمع اعترافاتكم».
وفى النهاية نستطيع أن نقول إن البابا شنودة الثالث هو من استحدث قصة الفتاوى التى لم تكن موجودة من قبل، والتى أصبحت تجيب عن أسئلة فى كل الأمور الحياتية مثل الزواج والحب والاقتصاد والتبرع والصداقة.
والسؤال: هل هذه «الفتاوى» بهذا الشكل لها العديد من التأثيرات السلبية، التى أهمها اعتماد الفرد على رجل الدين لكى يفتى له فى كل مسارات حياته إلى أن يصبح فاقدا لإرادته وحريته فى الاختيار.. وبالتالى يتجمد العقل ويشل التفكير، لأن المفروض أن يكون بين كل شخص وربه علاقة خاصة به تحكم سيره فى الحياة وتعطيه الإرادة فى الاختيار وتحديد أفعاله والتى تنبع من علاقته بالله واستشعاره الحقيقى لأنه لا يجب أن يتدخل رجال الدين فى كل التفاصيل فتصبح الحياة كلها حراما وحلالا؟
وهل هذه الفتاوى ستعظم من دور رجل الدين وتجعله حر التصرف فى حياة الشخص، فى الوقت الذى له
دور واحد فقط، وهو الإرشاد الروحى فى العلاقة بين الشخص والله وليس فى الأمور المجتمعية؟
مقاطع الفيديو
خطاب السادات لعزل البابا شنودة
البابا شنودة الثالث ومن يخلفه بعد الوفاة
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment