يبدو هادئا وبسيطا ومتواضعا , وفي ذات الوقت يتمتع بقدر هائل من الكبرياء وعزة النفس والترفع عن الصغائر , وطول قامته يعطيه مهابة لا تخطئها العين , وحين يتحدث تخرج الكلمات هادئة وموضوعية , فهو لا يميل إلى العبارات الضخمة والشعارات الرنانة والكلام الكبير . وإذا أردت أن تراه شخصا مصريا ريفيا فلك ذلك حين تنظر إلى وجهه وتتخيله يلبس جلبابا ريفيا , وإذا أردت أن تراه باشا كبير فانظر إلى وجهه وهامته . وهو يجمع بين صفات رجل القانون وصفات العالم وصفات الحالم وصفات السياسي في ذات الوقت . وهو شديد الأدب , وقور لا يستدرج لسفاهات أو تفاهات , ولا يسهل استفزازه أو دفعه لردود غير محسوبة , وقد ظهر هذا واضحا في لقاءاته بعمرو أديب ومنى الشاذلي وأحمد المسلماني , إذ على الرغم من الأسئلة الصعبة التي وجهت إليه وعلى الرغم من الألغام التي وضعت له في الحوارات وعلى الرغم من نصب أكثر من فخ له إلا أنه كان يخرج منها جميعا بطريقة مهذبة وسلسة , وكان يتحمل الكثير من الأسئلة المستفزة , ومحاولات التثبيط ومحاولات السخرية ويظهر في النهاية نبيلا شريفا . ومعروف عنه الهدوء والصبر وطول البال . ويبدو أن طبيعة شخصيته الهادئة , مع انشغالاته الكثيرة جعلته لا يميل كثيرا إلى الإنخراط في النشاطات الإجتماعية وهذا ما كان يشكوه بعض المصريون المقيمون في النمسا . ومعاييره الأخلاقية مرتفعة للغاية وهذا ما يؤكده "ديفيد ويلز" أحد كبار معاونيه ويعمل معه منذ أكثر من عشرين عاما حيث يصفه بأن حسه الأخلاقي عال جدا , وأنه يتصرف من واقع كونه مسئول كبير ذو مزايا فكرية رفيعة . ويصفه آخرون عملوا معه أيضا لسنوات طويلة بأنه : نزيه وحاد الذكاء ومنظم وجاد وملم بتفاصيل كل ملف من الملفات .
- متواضع في كبرياء:
من أهم سمات البر ادعي تواضعه مع حفاظه على كبريائه، فهو يقترب كثيرا من الإنسان المصري العادي البسيط في كلماته وتعبيراته وتصرفاته، فبالرجوع لحواراته نجده يقول: "التجربة لو نجحت سيكون المصريون الذين أيدوني هم من نجحوا معي وإذا فشلت فعلى الأقل نكون قد حاولنا معا من أجل التغيير". وفي نفس الوقت يمكنك أن تراه أحد العظماء والنبلاء حين قال: "سأهين كرامتي لو ذهبت للجنة شئون الأحزاب لكي أنشئ حزباً، فرئيس اللجنة هو أمين الحزب الوطني، هذا مهين لكرامتي"، ولعل اجتماع هاتين الصفتين في شخص البرادعي هو ما جعله صالحا لأن يكون محركا للأحداث ورمزا للتغيير لأن من تتحقق في شخصيته تلك المعادلة الصعبة فهو أصلح من يقوم بالتغيير.
- هادئ:
لا يستجيب للاستفزاز ولا ينزلق وراء محاولات إثارة انفعالاته أو السخرية منه والاستهانة بقدرته على التغيير، فعلى الرغم من فهمه العميق لكل تلك المحاولات كانت ردوده هادئة مهذبة ومنطقية وهذا دليل على توازن شخصيته وأنه شخصية مستقرة انفعاليا، فعلى الرغم من عدم التزام بعض المحاورين بالأسلوب اللائق في الحديث معه إلا أنه لم يقع تحت تأثير انفعالاته.
- مفكر:
يعرف ماذا يريد وكيف يصل لما يريد، عقله منظم جدا يعرف كيف يعرض أفكاره في تسلسل منطقي -ربما لدراسته القانون وعمله في وزارة الخارجية أو ربما لرئاسته إحدى أهم الوكالات الدولية، نجد هذا واضحا في قوله: "قوتي هي فكرتي وهي فكرة لابد أن تحدث وهي التغيير الذي حان وقته الآن".
- مصلح:
فلديه كل ما يحتاجه شخص ليكون مصلحا، لديه الفكرة ولديه روح التغيير دون أن يمتلك أي قوات عسكرية أو مساندات خارجية، مؤمن بدوره الإصلاحي فلم يكن ذكره لنموذجي مانديلا وغاندي وليد الصدفة، إنما هو نابع من إيمانه بقدرة المصلح على التغيير، فغاندي الرجل الهندي الفقير الذي لم يكن يملك أي قوات عسكرية أو مادية استطاع أن يهزم الإمبراطورية البريطانية، وكذلك الحال لمانديلا الذي قضي 28 عاما من حياته في السجون استطاع أن يمسك الحكم ويتركه فيما بعد طواعية ليعطى نموذجا يحتذي به، ولم يملكا أكثر مما لدي البرادعي من فكرة وروح تدعم التغيير.
- ذكي:
يظهر ذكاؤه في اختياره للزمان والمكان الذي يعرض فيه فكرته للتغيير، فقد جاء البرادعي بحصانات كثيرة منها جائزة نوبل، قلادة النيل، ورئاسة وكالة الطاقة الذرية، بالإضافة إلى توازن شخصيته وتقبله لتعددية التيارات الفكرية وعدم تحيزه لأي منها، كل هذا جعله أكثر قبولا لدى الكثيرين، ليس ذلك فحسب بل إن اختياره لهذا التوقيت الذي تحتاج فيه مصر إلى التغيير هو أيضا انعكاسا لذكائه وحنكته.
- دقيق:
نظر إليه البعض على أنه متردد، لا يستطيع التعبير عن أفكاره بسهوله وبرهنوا على ذلك بأنه لم يتحدث بطلاقه وكان يستغرق وقتا ليعبر عما يريد، وكان يتهته أحيانا , بل وذهب البعض لتفسير هذا بالقول إن ثقافته وأفكاره غربية فكيف يعبر عنها بالعربية؟، على الوجه الآخر قد يكون هذا دليلا على دقته فهو كرجل عمل بمنظمات دولية يعي تماما أن كل ما يقوله محسوب عليه لذا فعليه تحرى الدقة في اختيار كلماته لكي تعبر عما يريد بالضبط.
قراءته للواقع الدولي :
يبدو جليا أنه يجيد قراءة الواقع الدولي , وقد اتضح ذلك في أثناء ترشحه لمنصب مدير وكالة الطاقة النووية ثلاث مرات على التوالي , وفي المرة الأولى لم ترشحه مصر ورشحت محمد شاكر بدلا منه , ولم ينجح محمد شاكر (وفي هذا دليل على ضعف قراءة من رشحوه) , وترشح البرادعي مستفيدا من الدعم الإفريقي ونجح , وعاود الترشيح بعد ذلك ونجح على الرغم من معارضة قوة ضخمة مثل أمريكا لترشيحه .وربما لا يعلم الكثيرون مدى صعوبة تبوء مكانة دولية كالتي شغلها البرادعي اثني عشرة سنة متواصلة على الرغم من تخلي مصر (بلده) عن تأييده , وهذا يدل على سمة هامة في شخصيته وهي أنه يتمتع بقدر عال جدا من الذكاء والقدرة على رؤية الواقع والتخطيط الجيد , وحشد التأييد لدرجة أنه في المرة الأخيرة فاز بالإجماع , وهذا أمر مستغرب في التصويتات الدولية . ولو قارنا نجاحه المتكرر بفشل اسماعيل سراج الدين في انتخابات اليونسكو وفشل فاروق حسني بعد ذلك على الرغم من تأييد مصر والعرب لهما لعرفنا الفرق بين ما يفعله شخص مثل البرادعي وحيدا وينجح وما تفعله دول ومؤسسات بكل ثقلها وتفشل . وقراءة الواقع االدولي وعمل التربيطات والتكتيكات ليس بالأمر الهين إذ يحتاج لمهارات يبدو أننا في مصر نفتقدها والمثال الصارخ على ذلك هو صفر المونديال الذي حصلنا عليه رغم كثرة الصخب عن ريادة مصر وأهميتها وتمتعها بجو ساحر وأنها تمتلك 40% من آثار العالم , ومع هذا لم نحصل على نقطة واحدة في التصويت وفازت جنوب إفريقيا بفرصة إجراء المونديال على أرضها .
No comments:
Post a Comment